ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً وخلقتني من التراب ، ثم أسكنتني الأصلاب ، آمناً لريب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفرة الذين نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفةً منك وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني وفيه أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك ، وسوابغ نعمتك ، فابتدعت خلقي ، من مني يمني ، ثم اسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم ، لم تشهرني بخلقي ، ولم تجعل إليَّ شيئاً من أمري ، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاماً سوياً ، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً ، وعطفت على قلوب الحواضن ، وكفلتني الأمهات الرحائم ، وكلأتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان ، فتعاليت يا رحيم يا رحمان .
حتى إذا استهللت ناطقاً بالكلام ، أتممت على سوابغ الأنعام ، فربيتني زائداً في كل عام حتى إذا كملت فطرتي ، واعتدلت سريرتي ، أوجبت عليَّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك ، وروعتني بعجائب فطرتك ، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لذكرك وشكرك ، وواجب طاعتك وعبادتك ، وفهمتني ما جاءت به رسلك . . إلخ . انتهى .
قال المجلسي رحمهالله الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء والقوى الظاهرة ، واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة . . . . ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة ، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة . انتهى .
أقول : الظاهر أن معناه : جعلتني أدرك روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتك .
ـ تفسير الميزان ج ١٦ ص ١٧٨
الفطرة بناء نوع من
الفطر بمعنى الإيجاد والإبداع ، وفطرة الله منصوب على الاغراء أي إلزم الفطرة ، ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له ،
هو