أيضاً ، بخلاف البراءة فإنها تكون عن المشركين والكافرين ، كما قال الله تعالى : بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ . وكان من كان يأمر بالبراءة عن الإمام عليهالسلام يريد أن يجعل الإمام في عداد المشركين والخارجين عن الدين ، ومن كان يتبرأ منه صلوات الله عليه يعده من الكفار ، وبهذه المناسبة علل الإمام عليهالسلام نهيه عن البراءة بقوله : فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة ، وعلى هذا فلو أكره على السب فسب فلا شيء عليه ، بل وربما كان محموداً على فعله كما يشهد بذلك حكاية عمار ونزول الآية الكريمة : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ . انتهى .
والفرق الثاني ، أن الحق الشخصي في السب أقوى منه في البراءة ، فالحق العام في السب وإن كان عظيماً بسبب أنه ظلم وعدوان على وصي النبي صلىاللهعليهوآله الذي يمثل دين الله تعالى ، ولكن فيه حقاً شخصياً أيضاً لأنه ظلم وعدوان على شخص علي عليهالسلام وباعتبار هذا الحق الشخصي كان له عليهالسلام أن يجعل المؤمنين في حل عند الضرورة بخلاف البراءة منه . فكأنه عليهالسلام قال : بما أن السب مركب من حقين ، فأنتم في حل من حقي ، ويبقى حق الله تعالى فهو حكم شرعي بينكم وبينه ، وهو تعالى يجيزه عند الضرورة . أما البراءة فحقها الإلۤهي غالب ، لأن البراءة مني براءة من الفطرة النقية التي أنا عليها ، وبراءة من إيماني بالله ورسوله وجهادي وهجرتي ، فلا أستطيع أن أجعلكم في حل منها ، بل يجري عليها الحكم الشرعي .
والمسألة الثانية : أن فقهاءنا رضوان الله عليهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة كالخوف من القتل ، ولم يفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة ، إلا ما يظهر من المفيد كما سيأتي ، وذلك لأنه لم يثبت عندهم النص الذي تضمن النهي عن البراءة ، بل رووا تكذيب حديث علي عليهالسلام فقد روى الحميري في قرب الإسناد ص ١٢ :