لا يصدق الدليل على المقدمات حال ترتيبها ، لأن اللزوم لا يحصل عنده بل بعده . اللهم إلا أن يراد باللزوم اللغوي ، أي الإستتباع .
ثم إن الذي يكفي إعتباره في تحقق الإيمان من هذه التعاريف هو التعريف الثاني للأصوليين لكن بعد النظر فيما يمكن التوصل به ، لا الأول ، لأن ما يفيد الظن بالمعارف الأصولية غير كاف في تحقق الإيمان على المذهب الحق .
ولا يعتبر في تحققه شئ من تعريف المنطقيين ، لأن العلم بترتيب المقدمات وتفصيلها على الوجه المعتبر عندهم غير لازم في حصول الإيمان ، بل اللازم من الدليل فيه ما تطمئن به النفس بحسب استعدادها ويسكن إليه القلب ، بحيث يكون ذلك ثابتاً مانعاً من تطرق الشك والشبهة إلى عقيدة المكلف ، وهذا يتفق كثيراً بملاحظة الدليل إجمالاً ، كما هو الواقع لأكثر الناس .
أقول : يمكن أن يقال أن حصول العلم عن الدليل لا يكون إلا بعد ترتيب المقدمات على الوجه التفصيلي المعتبر في شرائط الإستدلال ، وحصوله في النفس وإن لم يحصل الشعور بذلك الترتيب ، إذ ليس كل ما اتصفت به النفس تشعر به ، إذ العلم بالعلم غير لازم .
والحاصل أن الترتيب المذكور طبيعي لكل نفس ناطقة مركوز فيها . وهذا معنى ما قالوه من أن الشكل الأول بديهي الإنتاج لقربه من الطبع ، فدل على أن في الطبيعة ترتيباً مطبوعاً متى أشرفت عليه النفس حصل به العلم ، وحينئذ فالمعتبر في حصول العلم بالدليل ليس إلا ما ذكره المنطقيون . والخلاف بينهم وبين الأصوليين ليس إلا في التسمية ، لأنهم يطلقون الدليل على نفس المحسوس كالعالم ، وأهل المعقول لا يطلقونه إلا على نفس المعقول كالقضايا المرتبة ، مع أن حصول العلم بالفعل على الإصطلاحين يتوقف على ترتيب القضايا المعقولة ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإن حصول الإيمان بالفعل أعني التصديق بالمعارف الإلۤهية إنما يكون بعد الترتيب المذكور .