ومما يمكن الإستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم ، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شئ كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه وإكبارهم ، إنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي وسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها ، وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال ، فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة والأهبة التي لا توجد مثلها إلا للحج إلى بيت الله . وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب .
وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم البائنة إلا كالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ويستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق ويستفتحوا الأغلال ويطلبوا ببركاتها الحاجات ويستدفعوا البليات ، والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم ، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند .
ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ، فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ، ولا لتقية واستصلاح ، فإن التقية هي فيهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم ، وكل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين ، وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلا مشية الله وقدرة القهار التي تذلل الصعاب ، وتقود بأزمتها الرقاب .
وليس لمن جهل هذه
المزية أو تجاهلها وتعامى عنها وهو يبصرها أن يقول : إن