والإختصاص ، وعلى هذا يتأول قوله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، أراد دين الله الذي خلق الخلق له . وقوله تعالى : لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أراد به أن ما خلق الله العباد له من العبادة والطاعة ليس مما يتغير ويختلف ، حتى يخلق قوماً للطاعة وآخرين للمعصية . ويجوز أن يريد بذلك الأمر ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فكأنه قال : لا تبدلوا ما خلقكم الله له من الدين والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا .
والوجه الآخر في تأويل قوله عليهالسلام على الفطرة : أن يكون المراد به الخلقة ، وتكون لفظة ( على ) على ظاهرها لم يرد بها غيره ، ويكون المعنى : كل مولود يولد على الخلقة الدالة على وحدانية الله تعالى وعبادته والإيمان به ، لأنه عز وجل قد صور الخلق وخلقهم على وجه يقتضي النظر فيه معرفته والإيمان به وإن لم ينظروا ويعرفوا ، فكأنه عليهالسلام قال : كل مخلوق ومولود فهو يدل بخلقته وصورته على عبادة الله تعالى وإن عدل بعضهم فصار يهودياً أو نصرانياً . وهذا الوجه أيضاً يحتمله قوله تعالى : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا .
وإذا ثبت ما ذكرناه في معنى الفطرة فقوله عليه الصلاة والسلام : حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ، يحتمل وجهين :
أحدهما : أن من كان يهودياً أو نصرانياً ممن خلقته لعبادتي وديني فإنما جعله أبواه كذلك ، أو من جرى مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدين ، وإنما خص الأبوين لأن الأولاد في الأكثر ينشؤون على مذاهب آبائهم ويألفون أديانهم ونحلهم ، ويكون الغرض بالكلام تنزيه الله تعالى عن ضلال العباد وكفرهم ، وأنه إنما خلقهم للإيمان فصدهم عنه آباؤهم ، أو من جرى مجراهم .
والوجه الآخر : أن يكون معنى يهودانه وينصرانه أي يلحقانه بأحكامهما لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم ، فكأنه عليهالسلام قال : لا تتوهموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصارى أطفالهم أنهم خلقوا لدينهم ، بل لم يخلقوا