أممهم فلم يرتدعوا حتى أصابهم العذاب ، وعدم ارتداعهم واصرارهم ليس بأعظم من اصرارهم على القتل من غير جرم ولاجناية ، وقد ورد في الاخبار المعتبرة ان رأس يحيى بن زكريا تكلم بعد قتله مع الجبار الذي أمر بقتله وقال له ( انها لاتحل لك ) عن المرأة التي تزوجها وأمرته بقتل يحيى فلم يرتدع (١) وسرّ ذلك كله ان الحرص والشهوة والطمع اذا استحكم في النفس وصار خلقا لها وطبعا فيها لم يكن شيء من العبر والعظات مؤثراً فيها ( وحبّ الشيء يعمى ويصم ) فاذا شاهدت
__________________
ظاهرا لعموم الناس ومرآهم في كل الاوقات كتظليل الغمامة على راسه الشريف فانها كانت ظاهرة لبعض الناس دون بعض من غير فرق قبل البعثة وبعدها ويظهر ما ادعيناه واضحا مكشوفاً لمن تتبع وتأمل معجزات رسول الله صلىاللهعليهوآله وسيرته انظر الى قصة الراهب « بحيرا » في « بصرى » في مناقب ابن شهر آشوب (ره) ، ج ١ ، ص ٣٦ ـ ٣٧ ط النجف. قال الراهب : اني لارى ما لاترون واعلم ما لاتعلمون ... ولقد رايت له وقد اقبل نورا امامه ما بين السماء والارض ولقد رايت رجالا في ايديهم مراوح الياقوت او الزبرجد يروحونه وآخرين ينثرون عليه انواع الفواكه ثم هذه السحابة لاتفارقه ... الخ يظهر من ملاحظتها ان هذه الخوارق العادات كان يراها الراهب وابوطالب عليهالسلام دون غيرهما من قريش ثم شرع الراهب يخبرهم بما رآه.
والظاهر ان من هذا القبيل عدم الظل لرسول الله صلىاللهعليهوآله وانه ايضا لم يكن بمرأى من عامة الناس في عامة الاوقات. وغير خفى ان خوارق العادات الصادرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل البعثة تسمى « ارهاصات » وصدر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ارهاصات كثيرة ذكر المؤرخ الشهير فريد وجدي المصري مقدارا منها في « دائرة المعارف » في مادة « رهص » ج ٤ ، ص ٣٠٠ ، ط ٣ مصر ، فراجع.
ومما ينبغي لفت النظر اليه هو ان الراس الاقدس قرأ القرآن في حشد الناس ايضا كما نقل انه حينما نصب في موضع الصيارفة وهنا لغط المارة وضوضاء المتعاملين فاراد سيد الشهداء عليهالسلام توجيه النفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته فتنحنح الراس الشريف تنحنحا عاليا فاتجهت اليه الناس واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا راساً مقطوعا يتنحنح قبل يوم الحسين عليهالسلام فعندها قرأ سورة الكهف الى قوله تعالى : « انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ولاتزد الظالمين الا ضلالا » انظر مقتل الحسين للمقرم ، ص ٤٠٢ ، ط ٢ النجف.
(١) كما نقل الحجاج بن يوسف الثقفى بعد ما قتل التابعي الكبيري جهبذ العلماء وعالم الشهداء ومن لم يكن على الارض احد الا وهو محتاج الى علمه اعني سعيد بن جبير (رض) وسقط راسه الشريف الى الارض قال : « لا اله الا الله ».
فهل ارتدع ذلك الظالم الغشوم ؟ = كلا وكلا ، قتله سنة : (٩٥) ه بواسط ودفن في ظاهرها وقبره بها.