ومن الحكم في غيبته عجّل الله فرجه ولعلها من أهم الحكم والاسرار هو تمحيص المؤمنين بهذه المحنة ، وابتلائهم بهذه الفتنة أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وهُمْ لا يُفْتِنُونَ (١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْ مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ والضَّرّاءُ وزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبُ (٢) حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا (٣) والاخبار بهذا المعنى كثيرة وأن بطول مدة غيبته يمتاز الايمان الثابت من المستودع ، والمؤمن الخالص من المغشوش ، فهي غربلة وتصفية للمؤمنين ولِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الْكافِرِينَ . (٤)
روى الصدوق رحمهالله عن الكاظم موسى عليهالسلام : « اذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في اديانكم لايزيلكم عنها أحد يا بنيّ لابد لصاحب هذا الامر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان بقول به ، انما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه ـ الى ان قال ـ يابنيّ عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ». وفي احتجاج الطبرسي في التوقيع الصادر من الناحية المقدسة على يد العمري : أما علّة ماوقع من الغيبة فان الله عزوجل يقول : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (٥) انه لم يكن أحد من آبائي الا وقعتت في عنقه بيعة لطاغية زمانه واني أخرج ولابيعة لاحد من الطواغيت في عنقي.
وهناك اسرار وحكم أخرى لايتسع الوقت والمجال لبيانها ، على أن كل ذلك
__________________
(١) سورة ٢٩ آية : ٢.
(٢) سورة ٢ آية : ٢١٤.
(٣) سورة ١٢ آية : ١١٠.
(٤) سورة ٣ آية : ١٤١.
(٥) سورة ٥ آية : ١٠٢.