بالغرم » فكلّ معاملة فيها غنم بلا غرم فهي أكل مال بالباطل ، والبيع غنم بغرم ، ومبادله مال بمال ، بخلاف الربا فانه للاخذ غنم بلاغرم ، وللدافع غرم بلا غنم ، فاذا أعطى العشرة باثنتى عشر من جنس واحد فقد اخذ اثنين بلا عوض فهو أكل مال بالباطل ولذا اختص الربا بالمتجانسين ، أي أن يكون العوضان من جنس واحد ويكون من المكيل والموزون اذ المعاملة بالمعدود ، والمشاهدة نادرة والنادر ملحق بالعدم ، ومدار المعاملات في العالم على الكيل والوزن مضافاً الى جهات اخرى ، وما أبدع وأروع تعقيب آيات الحث على الانفاق احساناً وكرماً بآيات تحريم الرِّبا فان ذلك فضل واحسان ، وهذا جور وعدوان وهذه الفصول في آخر هذه السورة التي هي أطول أو افضل سور القرآن من حيث بيان النواميس الاسلامية ، محبوكة كاسرد الوضين فانه عز شأنه ذكر فضل الانفاق في سبيل الله والعطاء المجّاني وربط به حرمة الرّبا ، وهو الأخذ العدواني ، ثم اردفه بالدين والرهن واحكامهما والامر بانظار المعسر وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (١) انظر واعجب لهذه الرحمة الواسعة ، وهذا التشريع الرفيع ، وهل يبقى لك شك في ان هذا القرآن من الوحي المعجز والذكر المبين ، نزل به الروح الامين من رب العالمين ، وهل تجد شيئاً من هذه الأساليب في شيء من التوراة والانجيل والزبور وغيرها وهي اكبر حجماً ، واكثر ألفاظاً ورقماً أرأيت كيف تنازل العظيم من أوج عظمته الى مخلوقه العاجز الضعيف فصار يستقرضه ويقول : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ولَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (٢) ثم لم يكتف بهذا كله في الدعوة الى التعاون وتعاطف البشر بعضهم على بعض بالاحسان والمعروف ، نعم لم يكتف بما ندب اليه من المعروف على سبيل الندب والاستحباب وان كان واجباً اخلاقياً.
__________________
(١) سورة البقرة آية : ٢٨٠.
(٢) سورة الحديد آية : ١١.