نعم لم يكتف بذلك العموم والاطلاق في الترغيب الى الانفاق والاحسان لكل ذي روح حتى البهائم والهوام بل وحتّى الكلب العقور ، فاذا رأيت كلباً يلهث من العطش استحب لك في الشريعة الاسلامية أن تسقيه الماء ( فان لكل كبد حرّاء أجر ) كما في الحديث ما الرفق بالحيوان والحمولة والدواب فقد عنيت الآداب الاسلامية برعايتها والرحمة لها عناية بالغة ، وفى الحديث ما مضمونه : اذا وصلت المنزل فابدأ بسقى دابتك وعلفها وراحتها قبل نفسك ولاتتخذوا ظهور دوابّكم منابر ، ولا تحملوا عليها فوق طاقتها ولا تجدوها ولاتضربوا وجوها الى كثير من امثال ذلك مما لامجال لاحصائه في هذه البيان.
أمّا الفقراء والضعفاء والعجزة فلم يكتف لهم الشارع المقدس ورحمته الواسعة بهذه العمومات والمطلقات ، بل جعل لهم مزيد عناية تخصّهم وفرض لهم في اموال الأغنياء نصيباً مفروضاً ، وصيّرهم شركاء لهم فيما بأيديهم ولكن من دون اجحاف واعتساف باموالهم بل قال الشارع الاقدس في كتابه المقدس يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (١) يعني الزائد من المال على حاجته حسب شأنه في سنة أو سنوات ، وقال المبلغ عنه من فضول اموال أغنيائكم ترد على فقرائكم وفي الحديث مامؤدّاء ( لما علم الله أن نسبة الفقراء من الاغنياء العشر فرض لهم العشر في اموالهم وما جاع فقير الا بما منعه الغني من حقّه ) نعم فرض للفقراء الحق على الاغنياء ولكن جعل السلطنة الأغنياء وأعطاهم الحرّية الواسعة والاختيار العام فيما يدفعون من نقود أو عروض ولأيّ فقير يدفعون ، وبأي وقت يشاؤون ، والفقير وان صار شريكاً ولكن لاسلطة له على الأخذ وانّما سلطة الدفع والتعيين لربّ المال ، وعدلت الشريعة الاسلامية هذه القضية حذراً من تفشّى داءِ الكسل والاتكال في النفوس وترك الناس السعي والعمل وتغلّب البطالة والمسألة على المجتمع ، فخصّ ذلك
__________________
(١) سورة البقرة آية : ٢١٩.