فلسطين قلب البلاد العربية تحقيقا ، تحفّ بها كالهالة ، مصر وبلاد المغرب ، وسوريا ، ولبنان ، والعراق ، والاردن ، والحجاز ، وأقطار الجزيرة ، فاذا هلك القلب فما حال بقية الاعضاء ؟ ولاشك ان الوضع اذا بقى على هذا فلنا فلسطينات أخرى في زمن قريب ( لاسمح الله ) ألا يخطر على بالكم قول شاعر الفردوسي الذائع ، الفردوسي العربي حيث يقول :
حثّوا رواحكم يا أهل أندلس |
|
ليس البقاء بها الا من الغلط |
من جاور الشر لا يأمن عواقبه |
|
كيف الحياة مع الحيّات في سفط |
العقد يبترّ من أطرافه وأرى |
|
عقد الجزيرة مبتورا من الوسط |
مصيبة المسلمين عظيمة ، وأعظم منها أن المصائب من شأنها أن تنبّه الشعور ، وتعطى لأهلها دروساً وعبرة ، وتجمع الشمل وتوحد والكلمة ، أما مصيبتنا بفلسطين فما صنعت شيئا من ذلك ، وتلقاها زعماء العرب وقادتها الذين ذبحت فلسطين على مذبح مطامعهم الدنيّة وجشعهم (١) الخبيث نعم تلقوها ، برحابة صدر ، وبرودة دم وما كفاهم ذلك حتى مكنوا اليهود طابعين من البقية الباقية من أراضي فلسطين التي يسكنها الالوف من عرب المسلمين وجعلوهم عبيد اليهود ، يعطون الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ (٢) وكانت أهالى فلسطين تأمل من ملوك العرب نصرهم ، وياليتهم كفّوها شرّهم ولم يكونوا سماسرة (٣) للمستعمرين ؛ ومنفّذين لارادتهم ، وسوف يعلمون كيف تدور الدائرة عليهم ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ويُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . (٤)
__________________
(١) جشع حرث وطمع اشد الحرص واسواً الطمع.
(٢) سورة ٩ ـ آية : ٣٠.
(٣) السمسار المتوسط بين البائع والشارى والساعى للواحد منهما في استجلاب الاخر ، ما لك الشىء و قيمه ، سمسار الارض : العالم بها ، جمع سماسرة.
(٤) سورة ١٥ ـ آية : ٤.