البشر ، لا يجوز بالنسبة لكتاب الله العزيز ، لأن فيه من فاعله إهدارا لنظم القرآن ، وإخلالا بمعناه (١).
ومن الطبيعي أننا لم نجد مدعيا قد تفوه بترجمة القرآن حرفيا ، وتوخيه نصّيّا لتراكم العقبات في طريقه ، ولاستحالة الإحاطة بالترجمة فعليا ، لذلك يحكم بعض الباحثين أنه « من المستحيل تأدية المعاني المستوحاة من كلمات القرآن الموجزة في الترجمة اللفظية » (٢) وذلك مما لا ريب معه ، إذ لو تحقق ، لكنا قد عمدنا إلى خصائص اللغة القرآنية ومسخنا أصلها إلى صورة أخرى ، تتلاشى معها مميزات القرآن في البلاغة والفن القولي ، ولكانت قضية الإعجاز الثابتة فيه مسألة ثانوية ، وهذا مما لا يتفق مع النهج الموضوعي.
يقول ابن الخطيب : « من المعلوم أن الترجمة الحرفية غير ممكنة وغير ميسورة ، وكذلك الترجمة اللفظية. وذلك لاختلاف الاصطلاحات ، وتشابه مدلول الألفاظ في شتى اللغات. فلم يبق أمامنا سوى ترجمة معاني القرآن ، وهي نفسها تسمى « ترجمة القرآن » لأن المراد من كل مقروء هو معانيه ومراميه. ولأن الألفاظ ان هي إلا ظرف للمعاني ... ولم يرسل الله تعالى لنا القرآن ، إلا لنفهم ما فيه من المعاني ، ونعمل بما جاء به من الأحكام فإذا ترجمت تلك المعاني وهذه الأحكام كانت ولا شك ترجمة صحيحة للقرآن وما جاء به القرآن ، وما أراده منزل القرآن ومن بلغته هذه الترجمة فقد وصلت إليه رسالة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصبح في عداد المنذرين » (٣).
وهذه دعوة صريحة إلى ترجمة معاني القرآن دون ألفاظه ، وهو دون شك يقصد إلى المفاهيم لا المعاني المكثفة.
وأما ترجمة المعاني : فهي عبارة عن تفسير موجز للقرآن الكريم بسبيل إعطاء معانيه في لغة ما بحيث يحافظ فيه على أصل المعنى ، ويعتمد فيها على مدى ثقافة المترجم ، وسعة استيعابه واستقصائه ، فهي تعنى
__________________
(١) الذهبي ، التفسير والمفسرون : ١ / ٢٤ وما بعدها.
(٢) الندوي ، ترجمات معاني القرآن الكريم : ١٩.
(٣) ابن الخطيب ، الفرقان : ٢٣١ وما بعدها.