بمدلول الآيات القرآنية دون النظر بموافقة أصل الألفاظ حرفيا للمعنى المراد ، بل العكس هو الصحيح ، وهو تقريب المعاني العامة للمدلول القرآني دون الاعتماد على اللفظ المعين الوارد في القرآن الكريم ، وبذلك تكون الترجمة في هذا اللحاظ أقرب إلى الواقع العملي. لهذا نرى المحترزين من المستشرقين قد أدركوا هذه الحقيقة ومالوا إليها فالأستاذ : ج أربري رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة كمبردج ، حينما ترجم القرآن اسمى ترجمته : القرآن مفسرا ، أو القرآن المعبر عنه : وصورة عنوان ترجمته هكذا : The Koran Interted وقد نظر في ذلك إلى هذه الحقيقة.
ويبدو أن أغلب ترجمات المستشرقين للقرآن هي ترجمات للمعاني في أحسن الأحوال ، إذ من الصعوبة فنيا وبلاغيا الترجمة الحرفية ، التي يستحيل أداؤها تطبيقيا ، لأنها تحتاج ـ على فرض إمكانها ـ إلى باع متمرس بمجازات القرآن وإيجازاته ، مما يحرجهم ويضيق عليهم أفاق الترجمة ، والأمر أشد من ذلك إذ تصاحبهم استحالة الترجمة النصية للقرآن بالنظر لإعجازه ، واستحالته هنا عقلية ضرورية من خلال وجهة نظر المسلمين أجمع ، وبملاحظة بلاغته في المفردات والجمل والتركيب والآيات ـ فضلا عن النظم والأسلوب والسياق ـ فالاستحالة عملية لأنها غير ممكنة صناعة ، بما سنلمسه عند بحث المشكلات البلاغية فيما بعد.
وتسمى ترجمة المعاني عند الذهبي بالترجمة التفسيرية للقرآن ، لأنها عبارة عن شرح الكلام ، وبيان معناه بلغة أخرى بدون محافظة على نظم الأصل وترتيبه (١).
ويميل بعض الباحثين إلى تسمية هذه الترجمة باسم : ترجمة تفسير القرآن ، أو تفسير القرآن بلغة كذا ، ولا يجوز أن تسمى ترجمة معاني القرآن ، لأن الترجمة لا تضاف إلا إلى الألفاظ ولأن هذه التسمية توهم أنها ترجمة للقرآن نفسه. وهو وجه لا يخلو من دقة وضبط حدود (٢).
__________________
(١) الذهبي ، التفسير والمفسرون : ١ / ٢٧.
(٢) ظ : الزرقاني ، مناهل العرفان : ٢ / ٣.