وكاختبار لسلامة الترجمة القرآنية وجودة أدائها ، هو رد الترجمة إلى أصلها العربي ، فكلما كانت الإعادة متقاربة مع الأصل كانت الترجمة أقرب إلى الدقة ، وكلما اختلف النص المعاد ، كانت الترجمة أبعد عن الضبط وفي ضوء هذا المنظور يتوافر الحكم على الترجمة ومدى صلاحيتها.
وقد أفاض بعض الباحثين في هذه الآداب والاعتبارات يرجع إليها في طلب التفصيل وزيادة الإيضاح (١).
ان الترجمة حركة إنسانية عالمية ، تعنى بنقل الفنون والآداب بين الأمم ، لا تحدها حدود ولا تمنعها قيود ، سعيا وراء المعرفة واستقراء المجهول ، فالعلوم والمعارف جميعا لا تعرف وطنا تستقر فيه ولا تؤمن بالقيود الإقليمية التي يفرضها علم الاجتماع على الحياة ... فهي تنتقل من ذهن إلى ذهن غير غائبة بعقبة اللغة ، وتتداعى لها العقول أيا كانت المذاهب والعقائد التي يدين بها أهل العلم والمعرفة ، فالعلم إنساني عام والمعرفة شاملة.
وهذا الطابع الإنساني البشري الشامل الذي يميز العلم والمعارف قد اقتضى أن يكون بين اللسان واللسان تفاهم وتجاوب : ... وهذا ما حمل المترجمين عبئا ثقيلا ، لأنه طالبهم بأن ينقلوا إلى لغة العالم الحية كل خطوة من خطى العلم مهما ضؤل شأنها ، وكل كشف يهتدي إليه عالم ولو كان لسانه لهجة دارجة من مئاب اللهجات الصينية ، وكل ظاهرة طبيعية يرصدها راصد ولو كان أبكم اللسان (٢).
والقرآن الكريم ذو طابع إنساني عام ، وهو وان كان عربي العبارة إلا أنه عالمي الرسالة ولا بد للإنسانية أن تتفاعل معه ، وللعالم أن يتداعى إليه ، ولا سبيل إلى ذلك ، إلا بنشر معالم هذا الكتاب ، ولا طريق إلى نشره إلا الترجمة في إطارها الموضوعي ، لأنها تطل على العالم بنوع من أنواع الثقافة العليا لتخترق بها حواجز البيئات التي حجبت معارفها بأسوار
__________________
(١) ظ : الذهبي ، التفسير والمفسرون : ١ / ٢٩+ الزرقاني ، مناهل العرفان : ٢ / ٩.
(٢) وديع فلسطين ، مقومات الترجمة الصحيحة ، مجلة المجمع العلمي العربي ، يناير ١٩٦٢ م.