الأنانية. قال ابن الخطيب : « إن الواجب على العلماء وعلى سائر الناطقين بالضاد أن يبادروا إلى تبليغ القرآن للأمم التي لم يصلها نوره ، ولم ترتق بتعاليمه ، لتتم بذلك رسالة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أنه أرسل إلى الخلق كافة ، ولم يرسل إلى العرب خاصة ، ولما كان هذا التبليغ لا يتم إلا بترجمة هذا « النور » إلى الأقوام المراد هدايتهم وجب على الأمة الإسلامية عامة ، وعلمائها خاصة القيام بمهمة ترجمة القرآن إلى سائر اللغات الذائعة الشائعة » (١).
وقد يرد على هذا أن القرآن إذا كان كذلك فهلا نزل بلغات متعددة لتبلّغ به كل أمة بلغتها ، أما وقد نزل بالعربية فهو حجة للعرب دون سواهم ، وقد تكفّل الزمخشري ( ت : ٥٣٨ ه ) بالرد على هذا الافتراض فقال : « فإن قلت : لم يبعث رسول الله إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا ، بل إلى الثقلين وهم ألسنة مختلفة ، فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة وإن لم تكن لغيرهم حجة ، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا قلت : لا يخلو أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها ، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل ، فبقي أن ينزل بلسان واحد ، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنهم أقرب إليه ، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر ، قامت التراجم ببيانه وتفهمه .. ولأنه لو أنزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها كما كلم أمته التي هو منها ، يتلوه عليهم معجزا ، لكان ذلك أمرا قريبا من الالجاء » (٢).
وقد تناول ابن حجر العسقلاني ( ت : ٨٥٢ ه ) مجابهة هذه الشبهة ، وأحال حلها إلى الترجمة فقال :
« إن الوحي متلوا وغير متلو ، إنما نزل بلغة العرب ، ولا يرد على هذا كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بعث إلى الناس كافة ، عربا وعجما وغيرهم ، لأن اللسان الذي
__________________
(١) ابن الخطيب ، الفرقان : ١٧٠.
(٢) الزمخشري ، الكشاف : ٣ / ٣٦٦.