العلم ، يكشف به الحدس الاستعاري ، والبعد الرمزي ، والتعبير المجازي ، والحس التشبيهي ، علمنا مدى مشكلات الترجمة (١).
لهذا كانت مهمة الترجمة القرآنية حتى مع أداء معاني القرآن ، ودون الالتزام بالترجمة اللفظية عملية شاقة لا سيما من وجهة نظر بلاغية.
ولقد أدرك جملة من المستشرقين موقع البلاغة من القرآن وأشاروا إليها بتأكيد ، فالمستشرق الفرنسي الأستاذ ريجيس بلاشير ( ١٩٠٠ م ـ ١٩٧٣ م ) قد اعتبر علم البيان العربي منطلقا من القرآن ، وركز في فصل من كتابه « القرآن » على الإعجاز القرآني ، وقناعة علماء البيان بأن القرآن يحتوي على جميع المواد الضرورية لهذا العلم (٢).
مما شكل حالة حضارية في شحذ الفكر البلاغي ، وخلق القوة التعبيرية في البيان العربي. وفي الوقت الذي أعجب فيه المستشرق الألماني الكبير الأستاذ. ثيودور نولدكه ( ١٨٣٦ م ـ ١٩٣٠ م ) بسحر القرآن البلاغي ، وإعجازه البياني ، نراه يغمز أسلوب القرآن الكريم ، ويشير إلى كثرة انتقال القرآن في خطاباته من صيغة إلى أخرى ، ومن حال إلى حال ، فمن غيبة إلى حضور إلى خطاب ، ومن ظاهر إلى مضمر وبالعكس ، واعتبر ذلك مجالا للتجريح (٣).
والحق أن نولدكه قد تطرف كثيرا في هذه الوجوه التي عرضها ، ومرد ذلك مع حسن الظن به إلى عدم تمرسه في ضروب البلاغة العربية التي لا يدرك أبعادها إلا العرب الأقحاح ، ومنها الالتفات الذي لم يدرك موقعه في بديع القرآن.
وإذا كان نولدكه وأضرابه من علماء المستشرقين يقفون هذا الموقف من بعض المشاهد البلاغية فما ظنك بمن هو أقل ثقافة ، وأدنى خبرة ، في الأصول البيانية الأخرى.
__________________
(١) ظ : المؤلف ، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم : ٢٣٥ وما بعدها بتصرف.
(٢) ظ : بلاشير ، القرآن ، تدوينه ونزوله ، الفصل الرابع : ٩٠ ـ ١٠٥.
(٣) ظ : نولدكه ، مادة قرآن فيEdition,ll Brit, Ency,