٤ ـ إن فهم القرآن بدقائقه قد يتعسر أغلب الأحيان على جملة من المستشرقين ، ويعود سبب ذلك إلى عمق لغة القرآن ، وسلسلة منابعه البلاغية ، مما يجعل غير العربي مهما أوتي من مقدرة يتعثر أحيانا في الفهم الأصيل للنص الكريم.
٥ ـ إن الجهود التي بذلها الاستشراق الألماني تكاد تكون أبرز الجهود في مضمار الدراسات القرآنية ، ويعود السبب في ذلك ـ فيما يبدو ـ إلى سبق ألمانيا في المجال العلمي الإنساني قبل الحرب العالمية الأولى.
كما أن الجهد الاستشراقي الفرنسي قد بدا متكافئا في الموضوع وأكثر دقة ، ونوعية ، ويتبعه الاستشراق الانكليزي المكثف ، ويلي جميع ما تقدم الاستشراق الأمريكي متمثلا بآرثر جفري.
أما الاستشراق الروسي فقد بدا محدود النتاج بالقياس إلى النتاج الأوروبي المكثف.
وقد لمعت شذرات متفرقة من الجهود الاستشراقية في النمسا والدانمارك والمجر وهولندا وإيطاليا شاركت في إرساء دعائم الفكر الإنساني المتطور.
٦ ـ إن هذه الجهود الآنفة الذكر غير متوافرة في أغلب أجزائها في الوطن العربي والإسلامي وهي من الغناء بحيث تشكل ثروة علمية وتراثية ضخمة ، فيا حبذا لو تصدت المجامع العلمية والمؤسسات الثقافية لنشرها مبوبة مترجمة مفهرسة ، ليفيد منها القارئ العربي في مجال المعرفة الإنسانية ، لا سيما ونحن في استقبال القرن الخامس عشر الهجري.
وفي الختام ، فإن مما يؤسف له حقا أن تتضاءل حركة الاستشراق في العالم ، وأن يخيم على أفقها مناخ من الجمود ، وكابوس من الصمت المطبق ، فلا نسمع لها صوتا بين الأصوات ، ولا نبصر أثرا بين الآثار ، إلا قبسات ولمحات ، لا تسمن ولا تغني عن جوع ، لقد خبا هذا السراج الهادي في كثير من إشعاعه ، والضياء اللامح في وهج من لألائه ، فحرم بذلك الباحثون من دراسات أصيلة في أغلب صيغها ، وأبحاث طريفة في شتى مجالاتها ، ولا يدري ما الذي زهّد هؤلاء في تراثنا الضخم وما الذي