الإمعان والتصفح بروح الإنصاف ، يأخذ عليه هذه الثغرات ، أما المتمسكون من أهل الإسلام فينكرون هذا الكلام ويرمون صاحبه بالالحاد (١).
ك ـ والحق أن ( نولدكه ) قد تطرق كثيرا في هذه الوجوه التي عرضها ، ومرده في هذا ـ مع حسن الظن ـ إلى عدم تمرسه في ضروب البلاغة العربية التي لا يدرك أبعادها إلا العرب الأقحاح ، ولعل في آرائه مزيجا بين الهراء والدس الذي لا يحمد عليه عالم مثله ، ومتى كان العالم جانبيا في التفكير ، أو هامشيا في التعليق ، أو سطحيا في الاستنتاج ، أخذت عليه هذه المآخذ الفجة.
ل ـ وقد تكفل الأستاذ أنيس المقدسي بالرد عليه فذهب أنه : « لا يجوز مقابلة هذا الأسلوب بأسلوب القصة في التوراة لاختلاف الغرض فيهما. ففي التوراة عدا أسفار الأنبياء والأمثال والأناشيد الروحية حوادث تأريخية منظمة تجري الأخبار مجراها الواضح العادي أما القرآن فإنه يشير إلى الحوادث التأريخية ، بوثبات أو بحملات روحية خطابية لا يقصد بها تسلسل الخبر ، بل يقصد بها إلى التذكير والتهويل. ولذلك ترد مرارا بحسب ما يقتضيه الكلام ، وكثيرا ما تروى عن سبيل الإشارة والتلميح ، والنسق الخطابي يقتضي التكرير كما هو معروف ... » (٢).
٤ ـ وقد تصدى بعض المستشرقين ـ بعد نولدكه ـ إلى دراسة جزء معين من تأريخ القرآن الكريم ، فهناك بحث للمستشرق الانكليزي ( أدوارس ) أسماه : ( التطور التاريخي للقرآن ) صدر في مدارس عام ( ١٨٩٨ م ) بحث به النزول المكي والمدني والتدوين والكتابة ولكنه جاء مختصرا لا يفي بالغرض.
٥ ـ وقد عرض لجزء من هذا التأريخ المستشرق المجري جولد تسهير ( ١٨٥٠ م ـ ١٩٢١ م ) في اقتضاب من مذاهب التفسير الإسلامي ولعل أبرز ما عنده إثارته لبعض المآخذ التي يمكن تلخيصها بما يلي :
__________________
(١) ظ : نولدكه ، مادة قرآن في :
. ١١, Ency. Brit. Edition
(٢) أنيس المقدسي :
تطوّر الأساليب النثرية في الأدب العربي : ٦١ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٦٥ م.