وخارجة عن ذاته (١) والوحي الالهي هو الفعل الذي يكشف به الله للإنسان عن الحقائق التي تجاوز نطاق عقله (٢).
وإذا كان الوحي فعلا متميزا ، فهو صادر عن فاعل مريد ، وهذا الفاعل المريد هو الله تعالى ، وليس الإلهام والكشف كذلك ، وهذا ما يميز الوحي عن المكاشفة ، والوحي النفسي ، والإلهام ، إذ أن مرد الإلهام يعود عادة إلى الميدان التجريبي لعلم النفس ، ونزعة الوحي النفسي في انتداحها تعتمد على التفكير في الاستنباط ، والمكاشفة تتأرجح بين الشك واليقين.
أما الوحي فحالة فريدة لا تخضع إلى التجربة أو التفكير ومتيقنة لا مجال معها للشك. مضافا إلى أن حالات الكشف والإلهام والإيحاء النفسي حالات لا شعورية ولا إرادية ، والوحي ظاهرة شعورية تتسم بالوعي والادراك التّامّين.
والوحي بالمعنى المشار إليه يختص بالأنبياء ، وليس الإلهام أو الكشف كذلك ، فهما عامان وشائعان بين الناس.
ولقد فرق المستشرق الألماني الدكتور تبودور نولدكه ( ١٨٣٦ ـ ١٩٣٠ م ) بين الوحي والإلهام تفريقا فيه مزيج بين الواقع والصوفية فعد الوحي خاصا بالأنبياء ، والإلهام خاصا بالأولياء إذ لا يوحى إليهم (٣).
ويتجلى الفرق بين الإلهام والوحي بتعبير آخر ، وبتصور متغاير ، أن مصدر الإلهام باطني ، وأن مصدر الوحي خارجي ، بل الإلهام من الكشف المعنوي ، والوحي من الواقع الشهودي ، لأن الوحي إنما يتحصل بشهود الملك وسماع كلامه ، أما الإلهام فيشرق على الإنسان من غير واسطة ملك فالإلهام أعم من الوحي ، لأن الوحي مشروط بالتبليغ ، ولا يشترط ذلك في الإلهام. والإلهام ليس سببا يحصل به العلم لعامة الخلق ، ويصلح للبرهان والإلزام ، وإنما هو كشف باطني ، أو حدس ، يحصل به العلم للإنسان في
__________________
(١) ظ : مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ١٦٧ وما بعدها.
(٢) ظ : د. جميل صليبا ، المعجم الفلسفي : ٢ / ٥٧٠.
(٣) ظ : نولدكه. دائرة المعارف الإسلامية ، مجلد ٩ مادة : الدين.