حالة نموذجية ، لا يمكن في ضوئها أن ترى بعض الألوان بالنسبة لكل العيون.
« هناك مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر ، وفوق الضوء البنفسجي لا تراها أعيننا ، ولا شيء يثبت علميا أنها كذلك بالنسبة لجميع العيون ، فلقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل أو أكثر حساسية أمام تلك الأشعة ، كما يحدث في حالة الخلية الضوئية الكهربائية » (١).
وهذا مطرد بالنسبة للبصر المادي المتفاوت ، أما على التفسير الأول فينتفي الاشكال جملة وتفصيلا ، فهو من باب الأولى.
ولقد توصل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليقين القطعي بصدق الرؤية والسمع عند حدوث ظاهرة الوحي طيلة ثلاثة وعشرين عاما ، وكان لذلك أمارات خارجية تبدو على وجهه وعينيه وجبينه ، من شحوب أو احتقان أو تصبب عرق وقد يرافق ذلك دوي بحسه أو أصداء أو أصوات كما تقول الروايات (٢).
ولكن هذه المظاهر لم تمتلك عليه وعيه الكامل ، وإحساسه اليقظ لأنها امارات خارجية لا تغير من حقيقة شعوره على الإطلاق ، فقسمات الوجه ، وتعرق الجبين ، وشحوب المحيا لا تدل في حالة اعتيادية على تغير في الوعي أو انعدام للذاكرة ، أو فقدان للشعور ، وما هي إلا طوارئ عارضة لا تمس الجوهر بشيء.
ولقد تعجل بعض النقاد من المستشرقين ، حين ألموا بهذه الدلائل النفسية والامارات الشكلية الخارجية التي لا تنتاب الوعي إطلاقا ولا تؤثر في الإدراك في حال ، فعدوها ـ مخطئين ـ أعراضا للتشنج تارة ، وللاغماء تارة أخرى. « وهذا الرأي يشمل خطأ مزدوجا حين يتخذ من هذه الأعراض الخارجية مقياسا يحكم به على الظاهرة القرآنية بمجموعها ، ولكن من
__________________
(١) مالك بن بني ، الظاهرة القرآنية : ١٧٨.
(٢) ظ : ابن سعد الطبقات الكبرى : ١ / ١٩٧+ البخاري والجامع الصحيح : ١ / ٤+ الفتح الرباني : ٢٠ / ٢١٢+ فتح الباري : ١ / ٢١.