نسيانا تاما ، ولا يذكر شيئا مما صنع أو حل به خلالها ، لأن حركة الشعور والتفكير تتعطل فيه تمام العطل. هذه أعراض الصرع كما يثبتها العلم ، ولم يكن ذلك ما يصيب النبي العربي أثناء الوحي ، بل كانت تتنبه حواسه المدركة في تلك الأثناء تنبها لا عهد للناس به ، يذكر بدقة ـ غاية الدقة ـ ما يتلقاه بعد ذلك على أصحابه ، ثم نزول الوحي لم يكن يقترن حتما بالغيبوبة الحسية مع تنبه الادراك الروحي غاية التنبه ، بل كثيرا ما يحدث والنهي في تمام يقظته العادية » (١).
بينما زعم جملة من المستشرقين : بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في القرآن والوحي ساحرا ، وأنه لم ينجح في الوصول إلى كرسي البابوية ، فاخترع دينا جديدا لينتقم من زملائه (٢).
وقد هز هذا التحدي السافر المستشرق ( اميل درمنجهام ) ففند أباطيل هؤلاء الدعاة ، وحمل عليهم ؛ ورد هذه التّهم الرخيصة التي خالفت الواقع (٣).
في حين نلحظ أن جماعة من المستشرقين قد دأبوا منذ زمن مبكر حتى عصرنا الحاضر ، على وصف القرآن بأنه نسيج من الخرافات ، وبأن الوحي مجموعة من البدع ، وبأن المسلمين وحوش ، وكان نموذج ذلك كل من : تيكولا دكيز ، وهو تنجر ، وبلياندر ، وبريدو (٤).
وهذا النوع من المستشرقين قد دفع تبشيريا إلى الغض من مكانة القرآن والإسلام ، لتقليل أهميتهما وزعزعة النفوس عنهما ؛ وإسدال ظلال كثيفة قائمة حول تأريخ الوحي دون دليل علمي يستند عليه ، بيد أن الحديث المتأطر بهذا القناع لا يمكن أن يوافق قبولا لدى الباحثين لأنه عاطفي.
وأني لأستغرب حقا مما أبداه المستشرق الفرنسي الدكتور غوستاف لوبون حينما ينفي تهمة الصرع عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكنه يصفه بالهوس ، وهو أمر يدعو إلى الحيرة والعجب لما في بحوث هذا الرجل من
__________________
(١) ظ : بكري أمين ، التعبير الفني في القرآن : ١٩.
(٢) ظ : موسوعة لاروس الفرنسية ، مادة ، محمد.
(٣) ١٣٥ ، The Life of Mohamea
(٤) ظ : المؤلف ، المستشرقون والدراسات القرآنية : ١٦.