وقد يكون أصل الوحي في اللغة كلها الإعلام في خفاء (١). ومؤدى التعريفات واحد فيما يبدو ، إذ الإشارة السريعة ، اعلام عن طريق الرمز ، والرمز إيماء يستفيد منه المتلقي أمرا إعلاميا قد يخفى على الآخرين. ومن ثم قيل « الكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وحي » (٢) باعتبار أسرارها إليهم من قبل ملك الوحي : واختصاصها بهم دون سائر الناس قال ابن الأنباري :
سمي الوحي وحيا لأن الملك أسره على الخلق ؛ وخص به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
ومن هنا يبدو أن التعريف الشرعي منحدر عن الأصل اللغوي في خصوصية الأسرار والاعلام السريع ؛ وما يصاحب ذلك من الإشارة والرمز اللذين يخفيان على الآخرين. وقد عبر الأستاذ محمد عبده عن ذلك بما يقارب هذا المؤدى فقال : « بأنه عرفان يجده الشخص في نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة ؛ أو بغير واسطة ، والأول يتمثل لسمعه بصوت أو بغير صوت » (٤).
ولعل المراد بما يتلقاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من العرفان اليقيني بغير صوت هو الالقاء في الروع ؛ وذلك بأن ينفث الله في روع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يشاء من أمر ؛ أو ينفث روح القدس ما أوحى إليه بتبليغه إياه ؛ فيكون ذلك من الوحي بوجه من الوجوه. وقد يؤيد هذا الملحظ ما نسب إلى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « إن روح القدس نفث في روعي » (٥).
٢ ـ سماع كلام الله تعالى مباشرة من وراء حجاب دون معاينة أو رؤية ؛ لامتناع ذلك عقلا وشرعا ؛ كما كلم الله موسى بن عمران عليهالسلام ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ) (٦) وكان ذلك من وراء حجاب « وهو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى عليهالسلام لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى عليهالسلام وحده ؛
__________________
(١) ظ : ابن منظور ، لسان العرب : ٢٠ / ٢٥٨.
(٢) الراغب الأصبهاني : المفردات : ٥١٥.
(٣) ابن منظور : لسان العرب : ٢٠ / ٢٥٨.
(٤) محمد رشيد رضا : الوحي المحمدي : ٢٨.
(٥) ظ : الحديث في الاتقان للسيوطي : ١ / ١٢٩+ المفردات للراغب : ٥١٥.
(٦) النساء : ١٦٤.