تبليغ الوحي كما تسلمه وهو آيات الكتاب الكريم بنصوصها خالصة بدلالة قوله تعالى :
( تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ (١٠٨) ) (١).
وقد اختار السيوطي ذلك تعبدا بلفظ القرآن إعجازا ، فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه ، وإنّ تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة ، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه (٢). وخصوصية القرآن التعبد بتلاوته لأن ألفاظه نازلة من الله تعالى فلا تدانيها خصوصية أخرى ، لأن هناك ما هو نازل من السماء كالأحاديث القدسية ، ولكنها ليست بقرآن ، فلا خصوصية للتعبد بتلاوتها. وإن أخذنا بمضامينها حرفيا ولكنها لم تنزل بألفاظها المخصوصة لها كما هو شأن القرآن. والحديث النبوي نتعبد به أمرا ونهيا ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرسل الحديث ويقوله ويتبع ذلك أهله وأصحابه ، ثم يتلو القرآن ويقرؤه فما اتفق يوما أن تشاكل النصان أو تشابه القولان ، ولو كان معنى القرآن ينقل إلى النبي وحيا ، أو وحيه ينقل إليه معنى ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوغه بلفظه ويعبر عنه بكلامه لاشتبه القرآن بالحديث والحديث بالقرآن من وجهة نظر بلاغية في الأقل بينما العكس هو الصحيح ، فالخصائص الأسلوبية في القرآن تدل عليه ، فكل له أسلوبه المتميز ، ومنهجه الخاص حتى عرف ذلك القاصي والداني ممن آمن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن وممن جحدهما. فالقرآن كلام الله ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ينقله كما سمعه بلفظه الدّال على معناه وبمعناه الذي نطق به لفظه ، لا شيء من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا النقل الأمين ، والحديث كلام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتفوه به فيشرع ويحكم ، لأنه المصدر الثاني بعد القرآن للشريعة الإسلامية قال تعالى :
( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٣)
وثمة دليل قرآني في توجيه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعبارة ( قل ) في
__________________
(١) آل عمران : ١٠٨.
(٢) ظ : السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٢٨.
(٣) الحشر : ٧.