القرآن الكريم ، وتكرارها فيه أكثر من ثلاثمائة مرة ، تصريح وأي تصريح بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « لا دخل له في الوحي ، فلا يصوغه بلفظه ، ولا يلقيه بكلامه ، وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاء ، فهو مخاطب لا متكلم ، حاك لما يسمعه ، لا معبر عن شيء يجول في نفسه » (١).
لهذا كان إذا نزلت عليه آية أو سورة ، بل وجزء من آية ، يدعو كتبته لتدوينها على الفور نصا.
ولقد بهت العرب أمام ظاهرة الوحي القرآني ، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة وأئمة البيان والفن القولي ، وتذرعوا للتشكيك فيها بمختلف الوسائل ، فأثاروا الشبهات ، وتعلقوا بالأوهام ، فوصفوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالضلال ، والقرآن من ورائهم يناديهم بقوله :
( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) ) (٢).
وتداعوا مرة أخرى إلى افتراضات متناقضة ، فقالوا أضغاث أحلام وقد أيقنوا بصحوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقظته ، وردوه إلى الكذب والاختلاق وهم أنفسهم وصفوه من ذي قبل بالصادق الأمين ، ونسبوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الشعر ، وقد علموا بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبعد ما يكون عن مزاج الشاعر وأخيلته ، وما ترك في هذا المجال أثرا يركن إليه بهذه السمة ، وقد عبر القرآن عن ذلك :
( قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ ) (٣).
وما استقامت لهم الدعوى في شيء ، ووصموه بالجنون :
( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) ) (٤).
( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) ) (٥).
__________________
(١) صبحي الصالح ، مباحث في علوم القرآن : ٣٠.
(٢) النجم : ١ ـ ٤.
(٣) الأنبياء : ٥.
(٤) الحجر : ٦.
(٥) الدخان : ١٤.