وقد دلت الأحداث الاستقرائية ، والسيرة الذاتية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على رجاحة عقله واتزانه في تصرفاته ، وتأكد لهم افتراؤهم بما شاهدوه من مجريات الأمور ، وقد لبث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيهم حقبا طويلة قبل البعثة فما مسكوا زلة ولا أدركوا غفلة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النكتة الدقيقة بقوله :
( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١).
وترددوا بقول الكهانة من بعد الجنون ، فرد افتراءهم القرآن بما أمره به :
( فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) ) (٢).
فما كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بشيرا ونذيرا ، وما كان الوحي إلا ذكرا للعالمين فأين هو من الكهانة؟
( وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) ) (٣).
وحينما أعيتهم الحيلة ، ووقف بهم المنطق السليم ، انطلقوا إلى القول : ( إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) (٤).
شأنهم في هذا شأن من تقدمهم من الأمم مع أنبيائهم ورسلهم ، حذو القذة بالقذة ؛ وفي الادعاءات قال تعالى :
( كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) ) (٥) وقد علموا جديا ؛ أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم في أصالته العقلية ؛ أبعد ما يكون عن السحر والشعبذة والتمويه من قبل ومن بعد.
وتمسكوا بأوهن من بيت العنكبوت ؛ فأشاعوا بكل غباء أن لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم معلما من البشر ؛ وهو غلام رومي يحترف صناعة السيوف بمكة ؛ فألقمهم القرآن حجرا بردهم ردا فطريا :
__________________
(١) يونس : ١٦.
(٢) الطور : ٢٩.
(٣) الحاقة : ٤٢.
(٤) المدثر : ٢٤.
(٥) الذاريات : ٥٢.