والاختلاف ، فمضى حتى قدم عثمان ، فلما دخل عليه قال له : لا قرب الله بعمرو عينا ، فقال أبوذر : والله ما سماني أبواي عمروا ، ولكن لا قرب الله من عصاه ، وخالف أمره ، وارتكب هواه ، فقام إليه كعب الاحبار فقال له : ألا تتقي الله يا شيخ تجبه(١) أمير المؤمنين بهذا الكلام؟ فرفع أبوذر عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب ، ثم قال له : يا ابن اليهوديين ، ما كلامكم مع المسلمين؟ فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد ، فقال عثمان : والله لا جمعتني وإياك دار ، قد خرفت وذهب عقلك ، أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء ، ثم انجوا به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة ، فنزلوه بها من غير أنيس ، حتى يقضي الله فيه ما هو قاض ، فأخرجوه متعتعا ملهوزا(٢) بالعصي ، وتقدم ألا يشيعه أحد من الناس ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فبكى حتى بل لحيته بدموعه ، ثم قال : أهكذى يضع بصاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم نهض ومعه الحسن والحسين عليهاالسلام وعبدالله بن العباس والفضل و قثم وعبيدالله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه ، فلما بضربهم أبوذر رحمهالله حن إليهم وبكى عليهم ، وقال : بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلىاللهعليهوآله وشملتني البركة برؤيتها ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إني احبهم ، ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة ، فارجعوا رحمكم الله والله أسأل أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة ، فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه(٣).
بيان : الكور بالضم : الرحل. والانساع جمع النسع بالكسر ، وهو سير ينسج عريضا على هيئة أعنه البغال ، تشد به الرحال ، وشقق الكلام : أخرجه أحسن مخرج ، وزرئ عليه : عابه ، كأزرى. قوله : ثم انجوا أي أسرعوا ،
____________________
(١) في المصدر : وتجيب. (٢) في المصدر : موهونا.
(٣) مجالس المفيد : ٩٥ ـ ٩٨.