فكانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا الاب ابنه ، والابن أباه ، والاخ أخاه ، والام ولدها ، ومن فر من القتل أو دفع عن نفسه أو اتقى السيف بيده أو أن ترحم على ذي رحمه لم تقبل توبته ، ثم أمرهم الله بالكف عن القتل بعد أن قتلوا سبعين ألفا في مكان واحد ، فهذا توبتهم ، وجعل توبتنا الاستغفار باللسان ، والندم بالجنان ، و ترك العود بالابدان ، فقال عزوجل : « والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(١) » وقال : « أفلا يتوبون إلى الله(٢) » وقال : « ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله(٣) ».
ومن الامم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه التوبة ، وكفارتنا فيه غض البصر ، والتوبة بالقلب ، والعزم على ترك العود إليه وكان منهم من يلاقي بدنه بدن امرأة حراما فيكون التوبة منه إبانة ذلك العضو من نفسه ، وتوبتنا فيه الندم وترك العود عليه ، ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية و خلوة فيخرج وخطيئته مصورة على باب داره : ألا إن فلان بن فلا ارتكب البارحة خطيئة كذا وكذا ، وكان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح وينتهك ستره ، ومن يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة : عبدي قد ستر ذنبه عن أبناء جنسه ، لقلة ثقته بهم ، والتجأ إلي لعله يتبعه رحمتي ، اشهدوا أني قد غفرتها له لثقته برحمتي ، فإذا كان في يوم القيامة وأوقف للعرض والحساب يقول : عبدي أنا الذي سترتها عليك في الدنيا ، وأنا الذي أسترها عليك اليوم ، ومما فضل الله به هذه الامة أن قيض لهم الاكرمين من الملائكة يستغفرون لهم ويسترحمون لهم منه الرحمة ، فقال سبحانه : « الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا(٤) » ومنها أنه جعلهم شهداء على الناس في الدنيا ، وشهداء وشفعاء في الآخرة ، قال صلىاللهعليهوآله : « المؤمنون شهداء في الارض
____________________
(١) آل عمران : ١٣٥. (٢) المائدة : ٧٤.
(٣) الحديد : ١٦. (٤) غافر : ٧.