المخالفين أنها نزلت في علي عليهالسلام لا عبرة بإخفاء حثالة (١) من متعصبي المتأخرين كالزمخشري والبيضاوي ( ٢٩ ، واقتصارهم على رواية نزولها في صهيب وتركهم أبا ذر أيضا لحبه لامير المؤمنين عليهالسلام! مع أنهم فسروا الشراء بالبيع وإعطاء المال فدية ليس بيعا للنفس بل اشتراء لها ، والشراء بمعنى البيع أكثر استعمالا لا سيما في القرآن ، بل لم يرد فيه إلا بهذا المعنى كقوله تعالى : « وشروه بثمن بخس دارهم معدودة (٣) » وقوله تعالى : « لبئس ما شروا به أنفسهم (٤) » وقوله عزوجل : « فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة (٥) ، وأيضا الانسب بمقام المدح بيع النفس وبذلها في طلب رضى الله تعالى لا اشتراؤها واستنقاذها واستخلاصها ، فإن ذلك يفعله كل أحد ، مع أن راويها عكرمة وهو من الخوارج ، وسعيد بن المسيب وكان منحرفا عن أهل البيت عليهمالسلام حتى أنه لم يصل على علي بن الحسين عليهماالسلام كما سيأتي ، فلا عبرة بروايتهما سيما فيما إذا عارضت الاخبار الكثيرة المعتبرة.
ثم إنه استدل بها على إمامته عليهالسلام لان هذه الخلة الحميدة فضيلة جزيلة عظيمة لا يساويها فضل ، لان بذل النفس في رضى الله تعالى أعلى درجات الكمال ، وقد مدح الله تعالى ذبيحه بتسلمه للقتل بيد خليله عليهالسلام ، وهذا علي قد استسلم للقتل تحت مائة سيف من سيوف الاعادي ، وليس لسائر الصحابة مثل تلك الفضيلة ، فهو أحق بالامامة ، لان تفضيل المفضول قبيح عقلا ، وأيضا يدل عليها قول جبرئيل عليهالسلام له : من مثلك ، لان يدل على انتفاء مثل له في العالم ولا أقل في أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله فإذا ثبت فضله عليهم ثبتت إمامته بما مر من التقرير.
فائدة : قال الشيخ المفيد ـ قدس الله روحه في كتاب الفصول : لما أراد رسول الله صلىاللهعليهوآله الاختفاء من قريش والهرب منهم إلى الشعب لخوفه على نفسه استشار أبا طالب
____________________
(١) حثالة الناس رذالتهم.
(٢) راجع تفسير البيضاوى ١. ٥٣ : ، والكشاف : ١ : ٢٥٨.
(٣) يوسف : ٢٠.
(٤) البقرة : ١٠٢.
(٥) النساء : ٧٤.