لرسول الله صلىاللهعليهوآله دونه ، فكان على ثقة من السلامة ، وإسماعيل عليهالسلام كان متحققا لحلول الذبح به من حيث امتثل الامر بالذي نزل به الوحي ، فشتان بين الامرين! قيل له : إن أمير المؤمنين عليهالسلام وإن كان عالما بأن قريشا إنما تقصد رسول الله دونه فقد كان يعلم ـ بظاهل الحال وما يوجب غالب الظن من العادة الجارية بشدة غيظ قريش على من فوتهم غرضهم في مطلبهم ، ومن حال بينهم وبين مرادهم من عدوهم ، ومن لبس عليهم الامر حتى ضلت حيلتهم ، وخابت آمالهم ، أنهم يعاملونه بأضعاف ما كان في أنفسهم أن يعاملوا به صاحبه لتزايد حنقهم (١) وحقدهم ، واعتراء الغضب لهم ، فكان الخوف منهم عند هذه الحال أشد من خوف الرسول الله (ص) ، واليأس من رجوعهم عن إيقال الضرر به أقوى من يأس النبي صلىاللهعليهوآله ، وهذا هو المعروف الذي لا يختلف فيه اثنان ، لانه قد كان يجوز منهم عند ظفرهم بالنبي صلىاللهعليهوآله أن تلين قلوبهم له ، ويتعطفوا بالنسب والرحم التي بينهم وبينه ويلحقهم من الرقة عليه ما يلحق الظافر بالمظفور به ، فتبرد قلوبهم ويقل غيظهم و تسكن نفوسهم ، وإذا فقدوا المأمول من الظفر به وعرفوا وجه الحيلة عليهم في فوتهم غرضهم وعلموا أنه بعلي عليهالسلام تم ذلك ، ازدادت الدواعي لهم إلى الاضرار به ، وتوفرت عليه ، فكانت البلية أعظم على ما شرحناه.
وعلى أن إسماعيل عليهالسلام قد كان يعلم أن قتل الوالد لولده لم تجربه عادة من الانبياء والصالحين ، ولا وردت به فيما مضى عبادة ، فكان يقوى في نفسه أنه على ما قدمناه من الاختبار ، ولو لم يقع له ذلك لجوز نسخه لغرض توجبه الحكمة أو كان يجوز أن يكون في باطن الكلام خلاف ما في ظاهره ، أو يكون تفسير المنام بضد حقيقته ، أو يحول الله تعالى بين أبيه وبين مراده بالاخترام ، أو شغل يعوقه عنه ، ولا محالة أنه قد خطر بباله ما فعله الله تعالى من فدائه وإعفائه من الذبح ، ولو لم يخطر ذلك بباله لكان مجوزا عنده ، إذ لو لم يجز في عقله لما وقع من الحكيم سبحانه (٢).
____________________
(١) الحنق ـ بفتح النون وكسره ـ شدة الاغتياظ.
(٢) أى الاعفاء من الذبح لو لم يكن جائزا عقلا لما وقع من الله تعالى أيضا.