وأما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق وحملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه و « هُوَ اللهُ رَبِّي » لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا وأضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق وأما قولكما إني أشجع فرسان العرب وهربكما من لعني ودعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة وماجت لبود الخيل وملأ سحراكما أجوافكما فثم
______________________________________________________
« وأما الذي صرفني » أي نهاني ومنعني عن صلتكما ووفقني للعمل بمقتضى نهيه « فالذي صرفكما عن الحق » أي خذلكما ووكلكما إلى أنفسكما بسوء اختياركما حتى اخترتم الباطل كقوله تعالى : « يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ » (١) وأمثاله ، وقد مضي تأويل الأخبار والآيات الموهمة للجبر ، أو المراد أن صار في عن الصلة هو سوء عقيدتكم وسريرتكم التي حملكم على نقض البيعة والصارف عن الصلة في الحقيقة هو الله تعالى لأنه أمر بعدم صلة الكافر ، وبعبارة أخرى : إن كنتما تريدان الحالة الصارفة فهي ما أنتم عليه من النفاق ، وإن كنتما تريدان الناهي عن ذلك فهو الله تعالى وقال الجوهري : فرس حرون لا ينقاد ، وإذا اشتد به الجري وقف.
« وهربكما » أي فراركما وكأنه كان هزؤكما « إذا اختلفت » أي جاءت وذهبت والأسنة جمع سنان وهو نصل الرمح « وماجت » أي تحركت واضطربت وهذا من أحسن الاستعارات ، واللبود بالضم جمع اللبد بالكسر ، وهو الشعر المتراكم فوق عنق الفرس وبين كتفيه ، والسحر بالضم وبالتحريك الرية ويقال للجبان قد انتفخ سحرة ذكره الجوهري.
وكمال القلب اطمئنانه وعدم اضطرابه وشدة يقينه والغرض أن اللعن لا ينافي الشجاعة فإن كل موقف يناسبه عمل فعند الحرب والطعن والضراب وقبل الانتهاء إليها يناسب الوعظ والزجر والتخويف والتهديد ، فإن في النهي عن المنكر لا بد من الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، وأيضا كان يجب عليه صلوات الله عليه أن يظهر
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٢٧.