والله لأن أعرف هداك من ضلالتك أحب إلي من الدنيا وما فيها فقال له علي عليهالسلام
______________________________________________________
وكان عددها خمسمائة مصحف ورفعوا مصحف المسجد الأعظم على ثلاثة رماح مشدودة يمسكها عشرة رهط ونادوا بأجمعهم : الله الله معشر العرب في النساء والبنات ، الله الله في دينكم ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم! فاختلف أصحابه عليهالسلام فقالت طائفة : القتال القتال ، وقال أكثرهم : المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا القتال وقد دعينا إلى حكم الكتاب ، فقال عليهالسلام : أيها الناس إني أحق من أجاب إلى الكتاب ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل ، وإنهم رفعوها للخديعة والمكر والوهن ، أعينوني ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعة ولم يبق إلا أن يقطع دابر القوم الذين ظلموا.
فجاء عشرون ألفا من أصحابه عليهالسلام ونادوه باسمه دون أمير المؤمنين : أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت وإلا قتلناك كما قتلنا عثمان! فقال عليهالسلام : ويحكم أنا أول من أجاب إلى كتاب الله وأول من دعا إليه فكيف لا أقبله ، وإنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وليس العمل بالقرآن يريدون؟ فقالوا : ابعث إلى الأشتر يأتيك فبعث إليه فرجع على كره منه وأكرهوه عليهالسلام على الرضا بالحكمين ، فلما رضي بذلك قطعا للفتنة قال أكثرهم : قد كفر حيث رضي بحكم غير الله ولا حكم إلا لله فوعظهم واحتج عليهم فلم ينفعهم ذلك إلى أن حاربهم في النهروان وقتلوا إلا تسعة منهم هربوا وانتشروا في البلاد ، وبقي آثارهم لعنهم الله إلى الآن.
وقيل : انهزم اثنان منهم إلى عمان ، واثنان إلى كرمان ، واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة ، وأحد إلى تل موزن (١) وأصيب من أصحابه عليهالسلام ثمانية ، وإليه أشار بقوله : مصارعهم دون النطفة لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منهم
__________________
(١) قال ياقوت : « تل مَوزَن » ـ بفتح الميم وسكون الواو وفتح الزاي ـ بلد قديم بين « رأس عين » و « سروج » ، وهو بلد قديم يزعم أنّ جالينوس كان به.