الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة.
ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا وقرضوا من الدنيا تقريضا
______________________________________________________
لأجلها ، وشبه كلا منهما بالأب أو بالأم لتأنيثهما أو الآخرة بالأب والدنيا بالأم لنقصها ولمناسبة الآباء العلوية بالأولى والأمهات السفلية بالثانية ، فكان أبناء الدنيا بمنزلة أولاد الزنا لا أب لهم.
« فكونوا من أبناء الآخرة » لبقائها وخلوص لذاتها ، ولكونها صادقة في وعدها « ولا تكونوا من أبناء الدنيا » لفنائها وكذبها وغرورها وكون لذاتها مشوبة بأنواع الآلام ، ثم أشار عليهالسلام إلى أن المقصود ليس مجرد رفض الدنيا وترك العمل لها بل مع إزالة حبها من القلب بقوله : « وكونوا من الزاهدين » إلخ.
والبساط فعال بمعنى المفعول ، أي اكتفوا بالأرض عوضا عن الفرش المبسوطة في البيوت مع عدم تيسر البساط إلا من الحرام أو الشبهة أو مطلقا ، والأول أنسب بالجمع بين الأخبار ، وكذا في البواقي وفي الصحاح : البساط ما يبسط وبالفتح الأرض الواسعة « والتراب فراشا » بمعنى المفروش أي عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن وغيره للنوم عليها ، فإن التراب ألين من سائر أجزاء الأرض « والماء طيبا » فإن الطيب عمدة منفعته رفع الروائح الكريهة وهو يتحقق بالغسل بالماء ، وما قيل : من أن المراد التلذذ بشرب الماء بدلا من الأشربة اللذيذة لأن أصل الطيب اللذة كما في القاموس فهو بعيد.
« وقرضوا من الدنيا تقريضا » على بناء المفعول من القرض بمعنى القطع ، وبناء التفعيل للمبالغة وقيل : بمعنى التجاوز من قرضت الوادي إذا جزته ، أو بمعنى العدول من قرضت المكان إذا عدلت منه ، وفي النهج ، ثم قرضوا الدنيا قرضا.