ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : سلا عن الشهوات ، أي نسيها وتركها ، في القاموس : سلاه وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا وسلوانا وسليا : نسيه ، وأسلاه عنه فتسلى عن المحرمات وفي بعض النسخ عن الحرمات جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة « هانت عليه المصائب » لأنها راجعة إلى فوات الأمور الدنيوية ، ومن زهد فيها سهل عنده فواتها.
قوله عليهالسلام : كمن رأى ، أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة كما مر في باب اليقين « مخلدين » أي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع علمه بخلودهم ، ومن الأفاضل من قرأ مخلدين على بناء الفاعل من الأفعال من قولهم أخلد إليه أي مال ، ولا يخفى بعده « وقلوبهم محزونة » لهم الآخرة وخوف التقصير وعدم العلم بالعاقبة.
« أنفسهم عفيفة » عن المحرمات والشبهات « وحوائجهم خفيفة » لاقتصارهم في الدنيا على القدر الضروري منها «صبروا أياما قليلة» أي أيام عمرهم فإنها قليلة في جنب الآخرة صبروا فيها على الفقر والضر ومشقة فعل الطاعات وترك المحرمات وإيذاء الظلمة والمخالفين « فصاروا بعقبى راحة طويلة » في القاموس : العقبى جزاء الأمر ، وقال الراغب : العقب والعقبى يختصان بالثواب نحو « خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً » (١) وقال : « أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ » (٢) « فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ » (٣) ، والعاقبة إطلاقها يختص
__________________
(١) سورة اللكهف : ٤٤.
(٢) سورة الرعد : ٢٢.
(٣) سورة الرعد : ٢٤.