عن سائر الجوارح عدا اللسان بالايدي والاقدام ، لان أكثر ما يفعل بها ، وإن كان قد يفعل بغيرها ، نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها وتحصينه عن الزنا ونحو أن ينحي حجرا ثقيلا برأسه عن صدر إنسان قد كاد يقتله ، وغير ذلك.
وأما أفعال القلوب فهي العزوم والارادات والنظر والعلوم والظنون والندم فعبر عليهالسلام عن جميع ذلك بصدق النية والسريرة الصالحة ، واكتفى بذلك عن تعديد هذه الاجناس.
فان قلت : فان الانسان قد يستحق الثواب على أن لا يفعل القبيح ، وهذا يخرم الحصر الذي حصره أميرالمؤمنين عليهالسلام.
قلت : يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدره لا يخلو عن الفعل والترك ، انتهى.
قال ابن ميثم (١) قدسسره : دعا عليهالسلام لصاحبه بما هو ممكن وهو حط السيئات بسبب المرض ، ولم يدع له بالاجر عليه معلالا ذلك بقوله «فان المرض لا أجر فيه» والسر فيه أن الاجر والثواب إنما يستحق بالافعال المعدة له كما اشار اليه بقوله : «وإنما الاجر في القول إلى قوله بالاقدام» وكنى بالاقدام عن القيام بالعبادة ، وكذلك مايكون كالفعل من عدمات الملكات كالصوم ونحوه ، فأما المرض فليس هو بفعل العبد ، ولا عدم فعل من شأنه أن يفعله.
فأما حطه للسيئات فباعتبار أمرين : أحدهما أن المريض تنكسر شهوته وغضبه اللذين هما مبدء الذنوب والمعاصي ومادتهما ، الثاني أن من شأن المرض أن يرجع الانسان فيه إلى ربه بالتوبة والندم على المعصية والعزم على ترك مثلها ، كما قال تعالى : «وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» الآية (٢).
فما كان من السيئات حالات غير متمكنة من جوهر النفس فانه يسرع زوالها منها ، وما صار ملكة فربما يزول على طول المرض ودوام الانابة إلى الله تعالى
____________________
(١) شرح النهج لابن ميثم ص ٥٨٤.
(٢) يونس : ١٢.