لانه يحمل المرء على كل صعب وذلول. وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه ، والفقر نعمة من الله داع إلى الانابة والالتجاء إليه ، والطلب منه ، وهو حلية الانبياء وزينة الاولياء ، وزي الصلحاء ومن ثم ورد خبر : إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين ، فهو نعمة جليلة بيد أنه مولم شديد التحمل.
قال الغزالي : هذا الحديث ثناء على المال ، ولا تقف على وجه الجمع بين المدح والذم إلا بأن تعرف حكمة المال ، ومقصوده وفوائده وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه ، شر من وجه ، وليس بخير محض ، ولا بشر محض بل هو سبب للامرين معا : يمدح مرة ويذم مرة ، والبصير المميز يدرك أن الممدوح منه غير المذموم.
وقال بعض أصحابنا : في الدعاء : نعوذ بك من الفقر والقلة ، قيل : الفقر المستعاذ منه إنما هو فقر النفس الذي يفضي بصاحبه إلى كفران نعم الله ونسيان ذكره ، ويدعوه إلى سد الخلة بما يتدنس به عرضه ويثلم به دينه ، والقلة تحمل على قلة الصبر أو قلة العدد.
وفي الخبر أنه صلىاللهعليهوآله تعوذ من الفقر ، وقال : الفقر فخري وبه أفتخر على سائر الانبياء ، وقد جمع بين القولين بأن الفقر الذي تعوذ منه صلىاللهعليهوآله الفقر إلى الناس ، والذي دون الكفاف ، والذي افتخر به الفقر إلى الله تعالى وإنما كان هذا فخرا له على سائر الانبياء مع مشاركتهم له فيه ، لان توحيده واتصاله بالحضرة الالهية وانقطاعه إليه : كان في الدرجة التي لم يكن لاحد مثلها في العلو ففقره إليه كان أتم وأكمل من فقر سائر الانبياء.
وقال الكرماني في شرح البخاري في قوله صلىاللهعليهوآله : أعوذ بك من الفقر : استدل به على تفضيل الغنا ، وبقوله تعالى : «إن ترك خيرا» أي مالا وبأنه صلىاللهعليهوآله توفي على أكمل حالاته ، وهو موسر بما أفاء الله عليه وبأن الغنى وصف للحق وحديث : أكثر أهل الجنة الفقراء ، إخبار عن الواقع كما يقال : أكثر أهل الدنيا الفقراء ، وأما تركه الطيبات ، فلانه لم يرض أن يستعجل من الطيبات.