اثر ذلك ايضا وأورث لها كدورة ، فان تحقق عنده قبحه وتاب عنه ، زال الاثر وصارت النفس مصقولة صافية ، وإن اصر عليه زاد الاثر الميشوم ، وفشا في النفس واستمر عليها ، وصار من أهل الطبع ، ولم يرجع إلى خير ابدا إذ دواء هذا الداء هوالانكسار ، وهضم النفس ، والاعتراف بالتقصير ، والرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار ، والانقلاع عن المعاصي ، ولا محل لشئ من ذلك إلى هذا القلب المظلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم اشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الآية الكريمة بقوله : «وهو قول الله عزوجل :« كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون » قيل : أي غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع والختم على وجه لا يدخل فيها شئ من الحق.
والمراد بما كانوا يكسبون الاعمال الظاهرة القبيحة والاخلاق الباطنة الخبيثة فان ذلك سبب لرين القلب وصداه ، وموجب لظلمته وعماه ، فلا يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات ، ولا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات ، كما أن المرآت إذا ألقيت في مواضع الندى ركبها الصدا ، وأذهب صفاءها وأبطل جلاءها ، فلا يتنقش فيهاصور المحسوسات.
وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره ، بما يعلوه من الذنوب والهوى ، ومايكسوه من الغفلة والردى ، بالمرآة المنكدرة من الندى ، وكما أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب ، وكدورات الاخلاق ، بدوام الذكر ، والتوبة الخالصة والاعمال الصالحة ، والاخلاق الفاضلة ، حتى ينظر إلى عالم الغيب بنور الايمان ويشاهده مشاهدة العيان إلى أن يبلغ إلى أعلى درجات الاحسان ، فيعبد الله كأنه يراه ، ويرى الجنة وما أعد الله فيها لاوليائه ويرى النار وما أعد الله فيها لاعدائه.
وقال البيضاوي عند قوله تعالى : «وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا