حال ولم يستظهر عليه فيما استودعته منها إشهاد الاسماع والابصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ثم لم تمتن بها على أحد لانها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن يكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه ، لان في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الهدي فأن تخلص بها الارادة إلى ربك ، والتعرض لرحمته وقبوله ولا ترد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله.
واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير ، وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن لان الكلفة والمؤنة في المتدهقنين فأما التذلل والتمسكن فلا كلفه فيهما ، ولا مؤنة عليهما ، لانهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ، ولا قوة إلا بالله.
ثم حقوق الائمة فأما حق سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضى مايكفه عنك ولا يضر بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ، ولا تعازه ولا تعانده فانك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك وشريكا له فيما أتى إليك ولا قوة إلا بالله.
وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه والاقبال ، عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتذكي له [ قلبك ] وتجلي له بصرك بترك اللذات ، ونقض الشهوات وأن تعلم أنك فيما ألقى ، رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والفيام بها عنه ، إذا تقلدتها ، ولاحول