برواية الاحتجاج أو يقال لماكان السائلون عن تلك المسائل غالبا من أهل الكتاب فيمكن أن يكون عليهالسلام أجابهم على معتقدهم ومصطلحهم ، حيث إنهم لا يعدون ما بين الطلوعين من الليل ولا من النهار كمامر.
ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، فقال : إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتم صومه (١).
وجوابه أن الانتصاف هنا مبني على التقريب والتخمين ، ولعله عليهالسلام لذلك غير العبارة ثانيا فعبر عنه بالزوال إزاحة لهذا الوهم ، وبأمثال هذا الخبر لا يمكن رد مامر من الايات والاخبار الصريحة ، وقدورد بهذا المضمون أخبار ، والتوجيه مشترك. وقد أومأنا سابقا إلى نكتة في عدم عد مابين الطلوعين من الليل والنهار تؤيد ذلك ، وكذا ماورد في كلام اللغويين وغيرهم من التعبير عن الزوال بنصف النهار مبني على المسامحة إذ أكثرهم مع تصريحهم بكون اليوم من طلوع الفجر عبروا عن الزوال بذلك ، فظهر أن بناء كلامهم ليس على التحقيق والمناصفة الحقيقية ، وهذا أمر شايع في العرف ، وقد يسامحون في أمثال ذلك كثيرا.
ومنها ماورد أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يغلس بصلاة الفجر أو قال : صلها بغبش (٢) وذكر بعض اللغويين أن الغلس والغبش ظلمة آخر الليل ، وجوابه أنه معلوم أن مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لايسمى كله غلسا ولا غبشا وإلا لم يكن للخبر فائدة ، فقولهم ظلمة آخر الليل ينافي مذهبتم إليه أكثر من منافاته لما ذهبنا إليه ، فالظاهر أن الخبر وكلام اللغويين مبني على المجاز والتوسع فلا يستقيم الاستدلال بمثله.
ومنها ما رواه الشيخ بسند يمكن أن يعد من الحسان عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام لايصلي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل
____________________
(١) الفقيه ج ٢ ص ٩٢.
(٢) راجع ص ٧٢ باب وقت صلاة الفجر ونافلتها