الليلة من سائر معانيها بل لمعنى الليلة التي يصبح منها صائما.
وأما ( ثم ) في قوله تعالى : ( ثم أتموا ) فمعلوم أنه ليس للتراخي الزماني بل للتراخي الرتبى إشارة إلى بعد ما بين حكم الليل من الاباحة ، وحكم النهار من وجوب الامساك ، وهذا الاطلاق شايع في القرآن ، ( وأتموا الصيام ) معناه افعلوه تاما كقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) (١).
ويمكن أن يقال : لما أمر الله تعالى سابقا بالصيام وأشار إليه بقوله ( ليلة الصيام لم يكن يحتاج إلى الامر بالصوم ثانيا ، فلذا أمرهم بالاتمام وعدم النقص لا أصل الصيام ، أو يقال : لما جوز لهم الجماع بالليل بعد التحريم ، وكان مظنة أن يتوهم أن بهذا الفعل يحصل نقص في الصوم ، قال : ( ثم أتموا الصيام ) إيماء إلى أن هذا الصوم تام لكم كما ورد في قوله تعالى ( تلك عشرة كاملة ) (٢).
وهذان وجهان وجيهان ، لم أرمن تعرض لهما ولا يخفى أن ارتكاب هذين التجوزين الشايعين اللذين وردت أمثالهما في الكتاب العزيز كثيرا ، مع اشتمالهما على نكات بديعة توجب حسن الكلام وبلاغته ، خير من حمل اليوم والليلة على المجاز ، وارتكاب النقل.
ولقد أبدع من استدل بها على أن مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس غير داخل في النهار : حيث قال : حقيقة استعمال لفظة ( ثم ) التراخي وظاهر الاتمام أن يكون بعد حصول بعض الشئ ، ولابد أن يجعل للنهاية المذكورة في الاية مبدء تدل القرينة عليه ، والاقرب أن يكون المبدء المنوى في الكلام أول النهار حتى يكون الكلام في قوة أن يقال : ثم أتموا الصيام في زمان مبتدء من أول
____________________
(١ ـ ٢) البقرة : ١٩٦ ، والذى ظهرلى أن الفرق بين الاتمام والاكمال أن الاتمام يعتبر من حيث الامتداد بأن يداوم على الفعل حتى يتم ، بحيث اذا أخل بالمداومة والاستمرار لاخل بالمقصود ولحقه النقصان ، بخلاف الاكمال فانه يعتبر من حيث النتيجة ، ولو بدفعات متناوبة ، ولذلك قال عزوجل : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وقال في مورد القضاء ( ولتكملوا العدة ).