كقوله سبحانه ( فصيام ثلثة أيام في الحج ) (١) وأمثاله ، والاصل عدم النقل والتجوز والتخصيص ، وليلة الصيام معلوم أن التقييد فيه ليس لتخصيص معنى
____________________
ومعنى قوله عزوجل ( حتى يتبين لكم الخيط الابيض ) الخ أن الليل الذى جعله الله سباتا وسكنا بجعله مظلما ، يختتم بطلوع الفجر اذا تبين لكم من نوره وشعاعه الخيط الابيض من الخيط الاسود ، فحينئذ يقع كمال الابصار ويفتتح النهار كما أشار اليه بقوله عزوجل ( جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله ).
وأما ما قيل من أنه شبه بياض الفجر بالخيط ، لان القدر الذى يحرم الافطار من البياض يشبه الخيط فيزول به مثله من السواد ، ولا اعتبار بالانتشار أو قيل : شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الافق وما يمتد معه من غبش الليل بخيطين أبيض وأسود ، واكتفى ببيان الخيط الابيض بقوله ( من الفجر ) عن بيان الخيط الاسود ، لدلالته على كونه من الليل وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل. ففيه أن الفجر الثانى على ما أجمع عليه أهل الاسلام واعتبروه ميقاتا لحرمة الاكل والشرب في شهر رمضان ، له من العظمة والبهاء والنباهة ما يرفعه أن يتشابه بالخيط الابيض التافه على مافيه من الدقة والبياض الذى لايؤبه به ، فلا تشابه ولا تجانس بينها من حيث الحسن والبهاء وعظمة النور حتى يشبه أحدهما بالاخر ، ولو جاز التشبيه بينهما كان الفجر هو المشبه به لكون وجه الشبه فيه أقوى وأجلى وهو به أعرف وأشهر ، لا أن يشبه الفجر في حسنه وبهائه ونوره وسطوعه وانتشار ضيائه بالخيط الابيض ، وهذا واضح لمن له أدنى دربة بأساليب الكلام.
هذا كله في الخيط الابيض ، وأما الخيط الاسود ، فالامر فيه أوهن وأفظع حيث لايرى في الافق شئ يشبه بالخيط الاسود ، لان أطباق السماء وأعنانها مملوء حينئذ ظلمة مطبقة ، والغبش الذى يتوهم فوق الفجر المعترض ، فمع أنه لا يشبه الخيط من حيث الدقة والعرض ليس تشبيهه بالخيط الاسود اولى من تشبيهه بالخيط الابيض لكونه ضياء مختلطا بالظلام ونسبته إلى البياض والسواد سيان.
(١) البقرة ١٩٦ ، المائدة : ٨٩ ، وفى سورة مريم : ٣٦ : ( انى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا ).