وبرهاناً أدّل على الحقيقة منه ، فالمسلم يقتنع بأنّ أعماله هي من محض إرادته واختياره ، لأنّ اللّه سبحانه أمرنا ، ولكنّه ترك لنا حرية الاختيار ، وهو قول الإمام : « إن اللّه أمر عباده تخييراً ».
كما أنّه سبحانه نهانا وحذّرنا عقابَ مخالفته ، فدلّ كلامه على أنّ للإنسان حرية التصرّف وبإمكانه أن يخالف أوامر اللّه ، وفي هذه الحالة يستوجب العقاب ، وهو قول الإمام : « ونهاهم تحذيراً ».
وزاد الإمام علي عليهالسلام توضيحاً للمسألة فقال : بأن اللّه سبحانه « لم يُعصَ مغلوباً » ، ومعنى ذلك بأنّ اللّه لو أراد جبْرَ عباده وإرغامهم على شيء لم يكن بمقدورهم جميعاً أن يغلبوه على أمره ، فدلّ ذلك على أنّه ترك لهم حريّة الاختيار في الطاعة والمعصية ، وهو مصداقٌ لقوله تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (١).
ثمّ بعد ذلك يخاطب الإمام عليّ ضمير الإنسان ليصل إلى أعماق وجدانه ، فيأتي بالدليل القاطع على أنّه لو كان الإنسان مجبوراً على أفعاله ـ كما يعتقده البعض ـ لكان إرسال الأنبياء وإنزال الكتب ضرباً من اللعب والعبث الذي يتنزّه اللّه جلّ جلاله عنه؛ لأنّ دور الأنبياء سلام اللّه عليهم أجمعين وإنزال الكتب هو لإصلاح الناس ،
__________________
١ ـ الكهف : ٢٩.