ويجب أنْ نتنبّه على قضيّة مهمّة ، ولا نمّر عنها دون تأمّل ، وهي كيفيّة إبلاغ سورة براءة للمسلمين ، تلك السورة الكريمة التي تكشف حقيقة المنافقين من الصحابة ، حيث أعطاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي بكر ليبلّغها للناس ، ثُمّ نزل جبريل وأمره أنْ ينتزعها من أبي بكر ، بعد ذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يذهب بها ، إلا رجل منّي وأنا منه » (١).
هناك في تلك الحادثة لفتات مهمّة جدّاً ، وهي أنّنا على يقين تامّ بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم خصوصاً في التشريع ، لا يتصرّف إلاّ بحسب الأمر الإلهي ، فلماذا إذاً هذه الحركة الإلهية ، يرسل أوّلاً أبا بكر ، ثُمّ تنتزع منه هذه السورة المليئة بفظائع المنافقين ، ثُمّ تُعطى لأمير المؤمنين عليهالسلام ، كأنّ تلك الحركة الإلهية تلفت نظر المسلمين إلى أنّ قضيّة النفاق قضيّة متعلّقة بالولاء والبراءة من أمير المؤمنين ، حيث إنّ من يبلّغ الناس سورة ـ مثل سورة البراءة ـ يجب قطعاً أنْ يكون مبرّئ من النفاق والرجس.
ثُمّ إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد فضح المنافقين من أهل المدينة مرّات عديدة بأسمائهم ، ودلّل عليهم ، عندما أخرج من المسجد ستّة وثلاثون صحابياً كانوا من المنافقين.
روى الطبري عن ابن عبّاس في قول الله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ ...) (٢) ، إلى قوله : (عَذَاب عَظِيم) ، قال : قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا يوم الجمعة فقال : أخرج يا فلان ، فإنّك منافق ، أخرج يا فلان ، فإنّك منافق ، فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم ، فلقيهم عمر ، وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء أنّه لم يشهد الجمعة ، وظنّ أنّ
__________________
(١) مسند أحمد ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٤.
(٢) التوبة : ١٠١.