وسار معها أمّهات المؤمنين إلى ذات عرق ، ففارقنها هنالك ، وبكين للوداع ، وتباكى الناس ، وكان ذلك اليوم يسمّى يوم النحيب. وسار الناس قاصدين البصرة ، وكان الذي يصلّي بالناس عن أمر عائشة ابن أختها عبد الله بن الزبير ، ومروان بن الحكم يؤذّن للناس في أوقات الصلوات ، وقد مرّوا في مسيرهم ليلاً بماء يقال له الحوأب ، فنبحتهم كلاب عنده ، فلمّا سمعت ذلك عائشة قالت : ما اسم هذا المكان؟ قالوا : الحوأب ، فضربت بإحدى يديها على الأخرى ، وقالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ما أظنّني إلاّ راجعة. قالوا : ولمَ؟ قالت : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لنسائه : « ليت شعري ، أيتكنّ التي تنبحها كلاب الحوأب ». ثُمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته ، وقالت : ردّوني ، ردّوني ، أنا والله صاحبة ماء الحوأب (١).
في مجمع الزوائد : وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنسائه : « ليت شعري ، أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ، تخرج فينبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ، ثُمّ تنجو بعد ما كادت » رواه البزار ورجاله ثقات (٢).
ثُمّ إنّها أيضاً كانت تعامل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمعاملة ليست كمعاملة الأزواج ، فقد رويت عدّة روايات عند أهل السنّة تبيّن بعضاً من تلك الأساليت والسلوكيات.
روى البخاري في صحيحه ، عن عائشة رضياللهعنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأقول : أتهب المرأة نفسها؟ فلمّا أنزل الله تعالى : (تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ) (٣) ، قلت : والله ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك (٤).
__________________
(١) البداية والنهاية ٧ : ٢٥٨.
(٢) مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٤ ، واُنظر سير أعلام النبلاء ٢ : ١٩٨.
(٣) الأحزاب : ٥١.
(٤) صحيح البخاري ٦ : ٢٤.