وروى ابن كثير في البداية والنهاية ، فيما يتعلّق بمسجد الضرار ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَان خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُف هَار فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١).
وقد تكلّمنا على تفسير ما يتعلّق بهذه الآيات الكريمة ، في كتابنا التفسير ، بما فيه كفاية ولله الحمد ، وذكر ابن إسحاق كيفيّة بناء هذا المسجد الظالم أهله ، وكيفيّة أمر رسول الله بخرابه ، مرجعه من تبوك ، قبل دخوله المدينة ، ومضمون ذلك أنّ طائفة من المنافقين بنوا صورة مسجد قريباً من مسجد قباء ، وأرادوا أنْ يصلّي لهم رسول الله فيه ، حتّى يروّج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر والعناد ، فعصم الله رسوله من الصلاة فيه ، وذلك أنّه كان على جناح سفر إلى تبوك ، فلمّا رجع منها ، فنزل بذي أوان ، مكان بينه وبين المدينة ساعة ، نزل عليه الوحي في شأن هذا المسجد ، وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ) ، من قبل الآية ، أمّا قوله : ضراراً فلأنهم أرادوا مضاهاة مسجد قباء ، وكفراً بالله لا للإيمان به ، وتفريقاً للجماعة عن مسجد قباء ، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ، وهو أبو عامر الراهب الفاسق قبّحه الله ، وذلك أنّه لمّا دعاه رسول الله إلى الإسلام فأبى عليه ، ذهب إلى مكّة ، فاستنفرهم ، فجاؤوا عام أحد ، فكان من أمرهم ما قدّمناه ، فلمّا لم ينهض أمره ، ذهب إلى ملك الروم قيصر ، ليستنصره على رسول الله ، وكان أبو عامر على دين هرقل ممّن تنصّر معهم من العرب ، وكان يكتب إلى إخوانه الذين نافقوا ، يعدهم ويمنّيهم ، وما يعدهم
__________________
(١) التوبة : ١٠٧ ـ ١١٠.