الشيطان إلا غروراً ، فكانت مكاتباته ورسله تفد إليهم كلّ حين ، فبنوا هذا المسجد في الصورة الظاهرة ، وباطنه دار حرب ، ومقرّ لمن يفد من عند أبي عامر الراهب (١).
ثُمّ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي أوتي علم الأوّلين والآخرين ، قد أطلعه الله سبحانه على ذلك المخطّط الخبيث من الصحابة المنافقين. ولذلك قام بخطوة مهمّة جدّاً للالتفاف على مخطّط أولئك المجرمين ، فقد ابقى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في المدينة ، وخلفه فيها حرصاً على استتباب الأمن ، وبقاء السيطرة في يد المؤمنين على المدينة المنوّرة ، والتي هي مركز القيادة الرئيسي ، ومركز الدولة الإسلاميّة.
وهذه المهمّة الكبيرة والخطيرة عادة لا يعهد بها إلا لأهمّ شخصيّة ، تكون محلّ الثقة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكانت تلك الشخصيّة المهمّة هي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.
وقد كانت تلك المرّة الوحيدة التي لم يشترك فيها أمير المؤمنين في غزوة مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع العلم أنّ اشتراك أمير المؤمنين عليهالسلام في كلّ الغزوات ، كان هو السبب الرئيسي والعامل الأساسي للنصر. اُنظر مواقفه الخطيرة والحسّاسة والتي دائما كانت نقطة تحوّل عظيمة ودعائم أساسيّة في حفظ الدين ونصرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ودينه العظيم ، فلقد كان سلام الله عليه من بداية الدعوة مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما قدّم نفسه فداء لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما بات في فراشه يوم أجمعت قريش على قتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكّة ، ونزل قرآن يمجّد ذلك الموقف العظيم من أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (٢).
__________________
(١) البداية والنهاية ٥ : ٢٧.
(٢) البقرة : ٢٠٧.