وسلكها معه أولئك النفر ، وقد تلثّموا ، وأمر رسول الله عمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، أنْ يمشيا معه ، عمّار آخذ بزمام الناقة ، وحذيفة يسوقها ، فبينما هم يسيرون ، إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم ، فغضب رسول الله ، وأبصر حذيفة غضبه ، فرجع إليهم ، ومعه محجن ، فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه ، فلمّا رأوا حذيفة ، ظنّوا أنْ قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم ، فأسرعوا حتّى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتّى أدرك رسول الله ، فأمرهما فأسرعا حتّى قطعوا العقبة ، ووقفوا ينتظرون الناس ، ثُمّ قال رسول الله لحذيفة : « هل عرفت هؤلاء القوم »؟ قال : ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم ، ثُمّ قال : « علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب »؟ قالا : لا ، فأخبرهما بما كانوا تملاّوا عليه ، وسمّاهم لهما واستكتمهما ذلك ، فقالا : يا رسول الله ، أفلا تأمر بقتلهم ، فقال : « أكره أنْ يتحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه » ، وقد ذكر ابن إسحاق هذه القصّة ، إلا أنّه ذكر أنّ النبيّ إنّما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده ، وهذا هو الأشبه والله أعلم ، ويشهد له قول أبي الدرداء لعلقمة صاحب ابن مسعود : أليس فيكم ، يعني أهل الكوفة ، أصحاب السواد والوساد ، يعني ابن مسعود ، أليس فيكم صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره ، يعني حذيفة ، أليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمّد ، يعني عمّاراً ، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضياللهعنه أنّه قال لحذيفة : أقسمت عليك بالله أنا منهم (١).
وروى القرطبي في تفسيره ، في تفسير سورة التوبة : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِير) (٢).
__________________
(١) البداية والنهاية ٥ : ٢٥.
(٢) التوبة : ٧٤.