أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١).
وهذا موسى كليم الله وجد في مدين امرأتين تذودان واقفتين على بعد من البئر ، فقدم إليهما قائلاً : ما خطبكما؟ فقالتا : إنّا لا نسقي حتّى يصدر الرعاء ، وأبونا شيخ كبير ، وعند ذلك لم يتفكر في شيء إلا في رفع حاجتهما ، ولأجل ذلك سقى لهما ثُمّ تولّى إلى الظل قائلاً : (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ) (٢).
وكم هناك من شواهد تاريخية على جهاد الأنبياء وقيامهم بواجبهم في شبابهم إلى زمان بعثتهم التي تصدّت لذكرها الكتب السماوية وقصص الأنبياء وتواريخ البشر.
وليكن معلوماً أنّ العصمة لا تتعارض مع مسألة لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، لأنّ المعصوم أولاً هو مكلّف ، قال تعالى في سورة الأعراف : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، إذاً هم مكلّفون كسائر البشر ، ولذلك فإنّ ترك الطاعة وفعل المعصية يكون بداع نفسي يحمل الإنسان على الطاعة أو يحمله على ارتكاب المعصية ، إلا أنّ العصمة تمسك المعصوم بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي ، فالعصمة موهبة إلهية لا تغيّر الطبيعة الإنسانية المختارة.
إنّ هذا العلم ، أعني ملكة العصمة لا يغيّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية ، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار ، كيف والعلم من مبادئ الاختيار ، ومجرّد قوة العلم لا يوجب إلا قوة الإرادة ، كطالب السلامة إذا أيقن بكون مانع ما سمّاً قاتلاً من حينه ، فإنّه يمنع باختياره من شربه قطعاً ، وإنّما
__________________
(١) يوسف : ٢٣.
(٢) القصص : ٢٤.
(٣) الأعراف : ٦.