يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع ، ويشهد على ذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام : (وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم * ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (١) ، تفيد الآية أنّهم بإمكانهم أنْ يشركوا بالله وإن كان الاجتباء أو الهدى الإلهي مانعاً من ذلك ، وقوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات.
إنّ الهدف الأسمى والغاية القصوى من بعث الأنبياء هو هداية الناس إلى التعاليم الإلهية والشرائع المقدّسة ، ولا تحصل تلك الغاية إلا بإيمانهم بصدق المبعوثين ، وإذعانهم بكونهم مرسلين من جانبه سبحانه ، وإنّ كلامهم وأقوالهم كلامه وقوله سبحانه ، وهذا الإيمان والإذعان لا يحصل إلا بإذعان آخر وهو الإذعان بمصونيتهم من الخطأ في مجال تبليغ الرسالة ، أعني المصونية في مقام أخذ الوحي أوّلاً ، والمصونية في مقام التحفّظ عليه ثانياً ، والمصونية في مقام الإبلاغ والتبيين ثالثاً ، ومثل هذا لا يحصل إلا بمصونية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الزلل والخطأ عمده وسهوه في تحمل رسالات الله وإبلاغها لعباده ، فالآيات القرآنيّة تؤكّد على عصمة الأنبياء في أخذ الوحي وحفظه وإبلاغه.
قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم) (٣).
__________________
(١) الأنعام : ٧٨ ـ ٨٨.
(٢) المائدة : ٦٧.
(٣) البقرة : ٢١٣.