الكلمات ، أو نظرت إلى بريق السيف وسمعت : الحكم لله ، لا لك يا عليّ ، ولا لأصحابك. فرأيت سيفاً ورأيت ناساً ، وسمعت عليّاً يقول : « لا يفوتكم الرجل ». وشدّ عليه الناس من كلّ جانب. فلم أبرح حتّى أُخذ ابن ملجم فأدخل على عليّ ، فدخلت فيمن دخل من الناس ، فسمعت عليّاً يقول : « النفس بالنفس ، إنْ هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإنْ بقيت ، رأيت فيه رأيي ». وما أدخل ابن ملجم على عليّ قال له : « يا عدوّ الله ، ألم أحسن إليك؟ ألم أفعل بك؟ قال : بلى ، قال : ( فما حملك على هذا )؟ قال : شحذته أربعين صباحاً ، فسألت الله أنْ يقتل به شرّ خلقه ، قال له عليّ ( ما أراك إلا مقتولاً به ، وما أراك إلا من شرّ خلق الله عزّ وجلّ ). وكان ابن ملجم مكتوفاً بين يدي الحسن ، إذ نادته أمّ كلثوم بنت عليّ ، وهي تبكي : ( يا عدو الله ، [ إنّه ] لا بأس على أبي ، والله عزّ وجلّ مخزيك ). قال : فعلامَ تبكين ، والله لقد اشتريته بألف ، وسممته بألف ، ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل مصر ، ما بقي منهم أحد ساعة ، وهذا أبوك باقياً حتّى الآن. فقال عليّ للحسن : ( إنْ بقيت ، رأيت فيه رأيي ، ولئن هلكت من ضربتي هذه ، فاضربه ضربة ، ولا تمثّل به ، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن المثلة ، ولو بالكلب العقور ) (١).
وقبل أنْ نختم البحث ، نذكر على سبيل المقارنة مع الأمم السابقة أنّ الأمّة الإسلاميّة أيضاً قد اتّبعت سنن السابقين في قتل أوصياء أنبيائهم ، فها هم قد قتلوا وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي قيل فيه ما فيه من الفضائل والمناقب ، فكان أوّل مظلوم بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث غصب حقّه ، وهُتكت حرمته ، ولم يعرفوه حقّ معرفته ، حتّى ضاق صدره من الدنيا وما فيها ، وكان عليهالسلام يخبر مراراً عن استشهاده بيد أشقى الأوّلين والآخرين ابن ملجم ، وكان يقول وهو يمسح لحيته الشريفة : « ما يحبس أشقاها ، أنْ يخضّبها من فوقها بدم » (٢).
__________________
(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٣٩ ـ ١٤٢ ، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١ : ٩٧ ـ ١٠٠.
(٢) الإرشاد ١ : ١٣ ، واُنظر نحوه في المعجم الكبير ١ : ١٠٥ ، كنز العمّال ١٣ : ١٨٧.