وعليها كساء من أوبار الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « يا بنتاه ، تعجّلي ـ أو تجرّعي ـ مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة » ـ وفي حديث : « اصبري علىٰ مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً » ـ فقالت : « يا رسول الله ، الحمد لله علىٰ نعمائه ، والشكر لله علىٰ آلائه » ، فأنزل الله تعالىٰ : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) (١).
وعندما تكون الزهراء عليهاالسلام في موقع الخيار بين الدنيا والآخرة ، فإنّها لا تتوانىٰ في اختيار ما عند الله سبحانه علىٰ حطام الدنيا الفانية علىٰ الرغم من الخصاصة وشدة الحاجة ، وضيق العيش.
عن سويد بن غفلة ، قال : أصابت عليّاً عليهالسلام خصاصة ، فقال لفاطمة عليهاالسلام : « لو أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسألتيه ؟ فأتته... فقالت : يا رسول الله ، هذه الملائكة طعامها التهليل والتسبيح والتحميد ، فما طعامنا ؟ » قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والذي بعثني بالحقّ ، ما اقتبس في بيت آل محمد نار منذ ثلاثين يوماً ، ولقد أتتنا أعنز ، فإن شئت أمرنا لك بخمسة أعنز ، وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبرئيل » فقالت : « بل علمني الخمس كلمات التي علمكهنّ جبرئيل ». قال : « قولي : يا أول الأولين ، ويا آخر الآخرين ، ويا ذا القوة المتين ، ويا راحم المساكين ، ويا أرحم الراحمين » فانصرفت فدخلت علىٰ عليّ عليهالسلام فقال : « ما وراءك ؟ » فقالت : « ذهبت من عندك للدنيا ، وأتيتك بالآخرة » فقال : « خير أيامك » (٢).
_______________________
١) سورة الضحىٰ : ٥. والحديث في الدر المنثور / السيوطي ٨ : ٥٤٣. ومسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : ٥٨ عن ابن النجار وابن مردويه والديلمي. ومقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي ١ : ٦٤. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٤٢. وكنز العمال ١٢ : ٤٢٢ / ٣٥٤٧٥. ومجموعة ورّام ٢ : ٢٣٠ ، مكتبة الفقيه ـ قم.
٢) مسند فاطمة عليهاالسلام / السيوطي : ٤ و ٢٤. ودعوات الراوندي : ٤٧ / ١١٦.