ولاريب أن أفضل غذاء للطفل هو حليب الاُمّ ، وقد أثبتت التجارب العلمية أثره في بناء الطفل الجسدي والنفسي ، وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (٦) وتوالت علىٰ الزهراء عليهاالسلام بعد نشأتها المشاهد القاسية التي كانت أليمة الوقع علىٰ نفسها الطاهرة وقلبها العطوف منذ نعومة أظفارها ، فقد فتحت عينها عليهاالسلام علىٰ المحن التي قاساها أبوها المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبيل الدعوة ، وما رافقها من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه ، وهجرتهم إلىٰ الحبشة ، وحصار بني هاشم في شعب أبي طالب نحو ثلاث سنين قضتها الزهراء عليهاالسلام مع أمّها وأبيها ( صلوات الله عليهم ) بحرمان وفاقة وانقطاع عن الناس.
ولم تهنأ الزهراء عليهاالسلام بالعيش الرغيد مع أُمّها وأبيها ( صلوات الله عليها ) بعد خروجهم من مخمصة الشعب إلّا نحو عام واحد ، حيث فجعت بوفاة أُمّها الرؤوم التي كانت تمنحها الدفء والحنان ، وتضفي عليها الحبّ والأمان ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « فجعلت تلوذ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتدور حوله وتسأله : يا أبتاه اين أُمّي ؟ فجعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يجيبها ، فجعلت تدور وتسأله : يا أبتاه أين أُمّي ؟ ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يدري ما يقول ، فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال : إنّ ربك يأمرك أن تقرأ علىٰ فاطمة السلام وتقول لها : إنّ أُمّك في بيت من قصب ، كعابه من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر ، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : إنّ الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام » (٧).
_______________________
٦) الكافي ٦ : ٤٠ / ١.
٧) الخرائج والجرائح / القطب الراوندي ٢ : ٥٢٩ / ٤ ، مؤسسة الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥.